الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَآ آتَاهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَللَّهِ مِيرَاثُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ }

{ وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَآ آتَاهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَّهُمْ } اعلم أنه تعالى لما بالغ في التحريض على بذل النفس في الجهاد في الآيات المتقدمة، شرع ههنا في التحريض على بذل المال في سبيل الله، وبيّن الوعيد الشديد لمن يبخل ببذله فيه وإيراد ما بخلوا به بعنوان (إيتاء الله تعالى إياه من فضله) للمبالغة في بيان سوء صنيعهم، فإن ذلك من موجبات بذله في سبيله كما في قوله تعالى:وَأَنفِقُواْ مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ } [الحديد: 7]. { بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ } لاستجلاب العقاب عليهم، والتنصيص على شريته لهم، مع انفهامها من نفي خيريته، للمبالغة في ذلك. والتنوين للتفخيم { سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } بيان لكيفية شرية مآل ما بخلوا به. وقد ذهب كثير من المفسرين إلى أن هذا الوعيد على طريق التمثيل، أي سيلزمون وبال ما بخلوا به لزوم الطوق. وذهب آخرون إلى أنه على ظاهره، وأنه نوع من العذاب الأخرويّ المحسوس. وأيدوه بما روى البخاريّ عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من آتاه الله مالاً فلم يؤد زكاته، مُثِّلَ له يوم القيامة شجاعاً أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة ثم يأخذ بلهزمتيه - يعني شدقيه - ثم يقول: أنا مالك، أنا كنزك " ، ثم تلا هذه الآية: { وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ... } إلى آخرها.

وروى الإمام أحمد والنسائيّ عن ابن عمر عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: " إن الذي لا يؤدي زكاة ماله يمثِّل الله عز وجل له مالَه يوم القيامة شجاعاً أقرع، له زبيبتان، ثم يلزمه يطوِّقه يقول: أنا كنزك، أنا كنزك ".

وروى الإمام أحمد والترمزيّ والنسائيّ وابن ماجه عن عبد الله بن مسعود عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: " لا يمنع عبد زكاة ماله إلا جعل له شجاع أقرع يتبعه, يفرّ منه وهو يتبعه, فيقول: أنا كنزك " ثم قرأ عبد الله مصداقه في كتاب الله: { سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ }. قال الترمذيّ: حسن صحيح.

وروى الحافظ أبو يعلى عن ثوبان عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: " من ترك بعده كنزاً مثل له شجاعاً أقرع، له زبيبتان، يتبعه. فيقول: من أنت ويلك؟ فيقول: أنا كنزك الذي خلفت بعدك، فلا يزال يتعبه حتى يلقمه يده فيقضمها، ثم يتبع سائر جسده " قال الحافظ ابن كثير: إسناده جيد قويّ، ولم يخرجوه، وقد رواه الطبرانيّ عن جرير بن عبد الله البجليّ. ورواه ابن جرير والحافظ ابن مردويه عن حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال:

السابقالتالي
2