الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }

قَوْلُهُ تَعَالَى: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلصِّيَامُ }؛ قال الحسنُ: (إذا سَمِعْتَ اللهَ تَعَالَى يَقُولُ: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } فَارْعِ لَهَا سَمْعَكَ، فَإنَّهَا لأَمْرٌ تُؤْمَرُ بهِ وَلَنْهْيٌ تُنْهَى عَنْهُ). وقال جعفرُ الصَّادق: (لَذّةُ مَا فِي النِّدَاءِ إزَالَةُ تَعَب الْعِبَادَةِ وَالْعَنَاءِ).

قَوْلُهُ تَعَالَى: { كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلصِّيَامُ } أي فُرِضَ عليكم الصيامُ، { كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ } ، كما فُرِضَ على الذين من قبلِكم من الأنبياءِ والأُمم، أوَّلُهم آدَمُ عليه السلام. وهو ما روي عن علي كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ أنه قال: " أتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ذاتَ يَوْمٍ عِنْدَ انْتِصَافِ النَّهَار، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ عَلَيَّ السَّلامَ ثُمَّ قَالَ: " يَا عَلِيُّ، هَذَا جِبْرِيْلُ يُقْرِئُكَ السَّلاَمَ " قُلْتُ: وَعَليْهِ السَّلاَمُ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: " يَا عَلِيُّ، يَقُولُ لَكَ جِبْرِيْلُ: صُمْ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلاَثَةَ أيَّامٍ؛ يُكْتَبُ لَكَ بأَوَّلِ يَوْمٍ عَشْرَةُ آلافِ حَسَنَةً، وَبالْيَوْمِ الثَّانِي ثَلاَثُونَ ألْفَ حَسَنَةً، وَبالْيَوْمِ الثَّالِثِ مِائَةُ ألْفِ حَسَنَةٍ " فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، ثَوَابٌ لِي خَاصَّةً أمْ لِلنَّاسِ عَامَّةً؟ فَقَالَ: " يَا عَلِيُّ، يُعْطِيْكَ اللهُ هَذَا الثَّوَابَ وَلِمَنْ يَعْمَلْ مِثْلَ عَمَلِكَ بَعْدَكَ " قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا هِيَ؟ قَالَ: " أيَّامُ الْبيْضِ؛ ثَلاَثَةَ عَشَرَ وَأرْبَعَةَ عَشَرَ وَخَمْسَةَ عَشَرَ " ".

قال عَنتَرَةُ: قلتُ لعليٍّ رضي الله عنه: لأيِّ شيءٍ سُميت هذه الأيامُ البيضَ؟ قال: [لَمَّا أهْبَطَ اللهُ آدَمَ عليه السلام مِنَ الْجَنَّةِ أحْرَقَتْهُ الشَّمْسُ، فَاسْوَدَّ جَسَدُهُ، فَأَتَاهُ جِبْرِيْلُ عليه السلام، فَقَالَ: يَا آدَمُ أتُحِبُّ أنْ تُبَيِّضَ جَسَدَكَ، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: صُمْ مِنَ الشَّهْرِ ثَلاَثَةَ عَشَرَ وَأرْبَعَةَ عَشَرَ وَخَمْسَةَ عَشَرَ. فَصَامَ آدَمُ عليه السلام أوَّلَ يَوْمٍ فَابْيَضَّ ثُلُثُ جَسَدِهِ، وَصَامَ الْيَوْمَ الثَّانِي فَابْيَضَّ ثُلُثَاهُ، وَصَامَ الْيَوْمَ الثَّالِثَ فَابْيَضَّ كُلُّ جَسَدِهِ، فَسُمِّيَتْ أيَّامَ الْبيْضِ].

قالَ المفسِّرون: فرضَ اللهُ تعالى على رسولهِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وعلى المؤمنين صيامَ يومِ عاشُوراء وصومَ ثلاثِةِ أيَّام من كلِّ شهرٍ حين قَدِمَ المدينةَ، فكانوا يصُومون إلى أن نزلَ صومُ شهرِ رَمضان قبل قِتَالِ بدرٍ بشَهرٍ وأيَّام.

وقال الحسنُ: (أرَادَ بالَّذِي مِنْ قَبْلِنَا النَّصَارَى، فَشَبَّهَ صِيَامَنَا بِصِيَامِهِمْ لاتِّفَاقِهِمَا فِي الْوَقْتِ وَالْقَدْر؛ لأَنَّ اللهَ تَعَالَى فَرَضَ عَلَى النًّصَارَى صَوْمَ شَهْرِ رَمَضَانَ، فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ؛ لأَنَّهُمْ رُبَّما كَانَ يَأْتِي فِي الْحَرِّ الشَّدِيْدِ؛ وَكَانَ يََضُرُّهُمْ فِي أسْفَارهِمْ؛ فَاجْتَمَعَ رَأيُ عُلَمَائِهِمْ وَرُؤَسَائِهِمْ عَلَى أنْ يَجْعَلُواْ صِيَامَهُمْ فِي فَصْلٍ مِنَ السَّنَةِ بَيْنَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ، فَجَعَلُوهُ فِي الرَّبيْعِ وَزَادُواْ فِيْهِ عَشْرَةَ أيَّامٍ كَفَّارَةً لِمَا صَنَعُواْ؛ فَصَارَ أرْبَعِيْنَ يَوْماً). قال مجاهدُ: (أصَابَهُمْ مَوَتَانٌ عَظِيْمٌ؛ فَقَالوُاْ: زيْدُواْ فِي صِيَامِكُمْ؛ فَزَادُواْ عَشْراً قَبْلُ، وَعَشْراً بَعْدُ، فَصَارَ خَمْسِيْنَ يَوْماً).

قَوْلُهُ تَعَالَى: { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }؛ أيْ لِكَيْ تَّتَّقُواْ الأَكْلَ وَالشُّرْبَ وَالْجِمَاعَ فِي زَمَانِ الصَّوْمِ.

السابقالتالي
2