الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ } * { أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ ٱلصِّيَامِ ٱلرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَٱلآنَ بَٰشِرُوهُنَّ وَٱبْتَغُواْ مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَٱشْرَبُواْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ ٱلْخَيْطُ ٱلأَبْيَضُ مِنَ ٱلْخَيْطِ ٱلأَسْوَدِ مِنَ ٱلْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ ٱلصِّيَامَ إِلَى ٱلَّليْلِ وَلاَ تُبَٰشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَٰكِفُونَ فِي ٱلْمَسَٰجِدِ تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ ءَايَٰتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ }

قوله: { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ }.

هو على الإضمار - والله أعلم - كأنه قال: وإذا سألك عبادي: " أين أنا عن إجابتهم " ، فقل لهم: إني قريب الإحسان، والبر، والكرامة لمن أطاعني.

ويحتمل: { فَإِنِّي قَرِيبٌ }. قرب العلم والإجابة، لا قرب المكان والذات كقرب بعضهم من بعض في المكان؛ لأنه كان ولا مكان، ويكون على ما كان، وكذلك قوله:مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلاَثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلاَ خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلاَ أَدْنَىٰ مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُواْ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُواْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ إِنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } [المجادلة: 7] وكقوله:وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ ٱلْوَرِيدِ } [ق: 16]،وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَـٰكِن لاَّ تُبْصِرُونَ } [الواقعة: 85]، كل ذلك يرجع إلى قرب العلم والإحاطة وارتفاع الجهات، لا قرب الذات على ما ذكرنا.

وإن كانت القصة على ما قاله بعض أهل التفسير: بأن اليهود قالوا: كيف يسمع ربك دعاءنا، وأنت تزعم أن بيننا وبين السماء مسيرة خمسمائة عام، وأن غلظ كل سماء مسيرة خمسمائة عام؟! فنزل قوله: { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ } ، هذا لما لم يعرفوا الصانع؛ ألا تراهم جعلوا له الولد، وجعلوا له شركاء، فخرج سؤالهم، إن كان، مخرج سؤال المتعنت، لا سؤال المسترشد.

وقوله: { أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ }.

أي: أقبل توحيد الموحد. وكذلك قال ابن عباس، رضي الله تعالى عنه، في قوله:وَقَالَ رَبُّكُـمُ ٱدْعُونِيۤ أَسْتَجِبْ لَكُمْ } [غافر: 60]، أي: وحدوني أغفر لكم.

وقيل: { أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ } ، على حقيقة الإجابة.

وقوله: { فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي }.

أي: إلى ما دعوتهم.

يحتمل: على ما ذكرنا في قوله: { أُجِيبُ } لكم، إذا استجبتم لي بالطاعة والائتمار.

ويحتمل: { أُجِيبُ } لكم، إذا أخلصتم الدعاء لي.

ويحتمل: على ابتداء الأمر بالتوحيد، كأنه قال: وحدوني.

ألا ترى أنه قال: { وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ } إذا فعلوا ذلك.

وقوله: { أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ ٱلصِّيَامِ }.

سماه { لَيْلَةَ ٱلصِّيَامِ }. الليل مضاف إلى يومه، كأنه قال: ليلة يوم الصوم، وإن لم يكن فيها صوم في الحقيقة؛ لانتظار الصيام فيها بالنهار، على ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال: " منتظر الصلاة ما دام ينتظرها في الصلاة " ، وكذلك قوله: { فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ ٱلشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ } ، أضاف الصوم إلى الشهر يدخل فيه الليل والنهار؛ لأن اسم الشهر يجمع الليل والنهار جميعاً.

وقوله: { ٱلرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَآئِكُمْ }.

قيل: { ٱلرَّفَثُ } ، الجماع. وهو قول ابن عباس، رضي الله تعالى عنه.

وقيل: { ٱلرَّفَثُ } ، هو حاجات الرجال إلى النساء من نحو الجماع، والمس، والتقبيل وغيره.

وقوله: { هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ }.

قيل: هن ستر لكم عما لا يحل، وأنتم ستر لهن أيضاً.

السابقالتالي
2 3