قوله تعالى: { أحل لكم ليلة الصيام الرفث } سبب نزول هذه الآية أن الصحابة كانوا إذا نام الرجل قبل الأكل والجماع، حرما عليه إلى أن يفطر، فجاء شيخ من الأنصار وهو صائم إلى أهله، فقال: عشوني، فقالوا: حتى نسخن لك طعاماً، فوضع رأسه فنام، فجاؤوا بالطعام، فقال: قد كنت نمت، فبات يتقلب ظهراً لبطن، فلما أصبح أتى النبي صلى الله عليه وسلم؛ فأخبره، فقام عمر بن الخطاب فقال: يا رسول الله! إني أردت أهلي الليلة، فقالت: إنها قد نامت، فظننتها تعتل، فواقعتها، فأخبرتني أنها قد نامت، فأنزل الله تعالى في عمر بن الخطاب: { أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم } وأنزل الله في الأنصاري: { وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر } هذا قول جماعة من المفسرين. واختلفوا في اسم هذا الأنصاري على أربعة أقوال. أحدها: قيس بن صرمة، قاله البراء. والثاني: صرمة بن أنس، قاله القاسم بن محمد، وقال عبد الرحمن بن أبي ليلى: صرمة بن مالك. والثالث: ضمرة بن أنس. والرابع: أبو قيس بن عمر. وذكر القولين أبو بكر الخطيب. فأما «الرفث» فقال ابن عمر، وابن عباس، ومجاهد، وعطاء، والحسن، وابن جبير في آخرين: هو الجماع. قوله تعالى: { هنَّ لباس لكم وأنتم لباس لهن } فيه قولان. أحدهما: أن اللباس السكن. ومثله{ جعل لكم الليل لباساً } [الفرقان:47] أي: سكناً. وهذا قول ابن عباس، وابن جبير، ومجاهد، وقتادة. والثاني: أنهن بمنزلة اللباس، لإفضاء كل واحد ببشرته إلى بشرة صاحبه، فكنى عن اجتماعهما متجردين باللباس. قال الزجاج: والعرب تسمي المرأة: لباساً وإزاراً، قال النابغة الجعدي:
إذا ما الضجيع ثنى جيدها
تثنت فكانت عليه لباساً
وقال غيره:
ألا أبلغ أبا حفص رسولا
فدىً لك من أخي ثقة إِزاري
يريد: بالإزار: امرأته. قوله تعالى: { عَلِمَ الله أنَكم كنتم تختانون أنفُسَكم } قال ابن قتيبة: يريد: تخونونها بارتكاب ما حُرِّمَ عليكم. قال ابن عباس: وعنى بذلك فعل عمر، فإنه أتى أهله، فلما اغتسل أخذ يلوم نفسه ويبكي { فالآن باشروهن }: أصل المباشرة: إلصاق البشرة بالبشرة. وقال ابن عباس: المراد بالمباشرة هاهنا: الجماع. { وابتغوا ما كتب الله لكم } فيه أربعة أقوال: أحدها: أنه الولد، قاله ابن عباس، والحسن، ومجاهد في آخرين. قال بعض أهل العلم: لما كانت المباشرة قد تقع على ما دون الجماع، أباحهم الجماع الذي يكون من مثله الولد، فقال: { وابتغوا ما كتب الله لكم } يريد: الولد. والثاني: أن الذي كتب لهم الرخصة، وهو قول قتادة. وابن زيد. والثالث: أنه ليلة القدر. رواه أبو الجوزاء عن ابن عباس. والرابع: أنه القرآن، فمعنى الكلام: اتبعوا القرآن، فما أُبيح لكم وأمرتم به فهو المبتغى، وهذا اختيار الزجاج.