الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَٱلْحَجِّ وَلَيْسَ ٱلْبِرُّ بِأَن تَأْتُواْ ٱلْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَـٰكِنَّ ٱلْبِرَّ مَنِ ٱتَّقَىٰ وَأْتُواْ ٱلْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }

الحكم التاسع في الآية مسائل: المسألة الأولى: نقل عن ابن عباس أنه قال: ما كان قوم أقل سؤالاً من أمة محمد صلى الله عليه وسلم سألوا عن أربعة عشر حرفاً فأجيبوا. وأقول: ثمانية منها في سورة البقرة أولها:وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ } [البقرة: 186] وثانيها: هذه الآية ثم الستة الباقية بعد في سورة البقرة، فالمجموع ثمانية في هذه السورة والتاسع: قوله تعالى في سورة المائدة:يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ } [المائدة: 4] والعاشر: في سورة الأنفاليَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأَنفَالِ } [الأنفال: 1] والحادي عشر: في بني إسرائيليَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلرُّوحِ } [الإسراء: 85] والثاني عشر: في الكهفوَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِى ٱلْقَرْنَيْنِ } [الكهف: 83] والثالث عشر: في طهوَيَسْـئَلُونَكَ عَنِ ٱلْجِبَالِ } [طه: 105] والرابع عشر: في النازعاتيَسْـئَلُونَكَ عَنِ ٱلسَّاعَةِ } [النازعات: 42] ولهذه الأسئلة ترتيب عجيب: اثنان منها في الأول في شرح المبدأ فالأول: قوله:وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنّي } [البقرة: 186] وهذا سؤال عن الذات والثاني: قوله: { يَسْـئَلُونَكَ عَنِ ٱلأَهِلَّةِ } وهذا سؤال عن صفة الخلاقية والحكمة في جعل الهلال على هذا الوجه، واثنان منها في الآخرة في شرح المعاد أحدهما: قوله: { وَيَسْـئَلُونَكَ عَنِ ٱلْجِبَالِ } والثاني: قوله:يَسْـئَلُونَكَ عَنِ ٱلسَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَـٰهَا } [الأعراف: 187] ونظير هذا أنه ورد في القرآن سورتان أولهما:يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ } [البقرة: 21] أحدهما: في النصف الأول: وهي السورة الرابعة من سورة النصف الأول، فإن أولاها الفاتحة وثانيتها البقرة وثالثها آل عمران ورابعتها النساء وثانيتهما: في النصف الثاني من القرآن وهي أيضاً السورة الرابعة من سور النصف الثاني أولاها مريم، وثانيتها طه، وثالثتها الأنبياء، ورابعتها الحج، ثم { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ } التي في النصف الأول تشتمل على شرح المبدأ فقاليَـٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِى خَلَقَكُمْ مّن نَّفْسٍ وٰحِدَةٍ } [النساء: 1] و { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ } التي في النصف الثاني تشتمل على شرح المعاد فقال:يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ شَىْء عَظِيمٌ } [الحج: 1] فسبحان من له في هذا القرآن أسرار خفية، وحكم مطوية لا يعرفها إلا الخواص من عبيده. المسألة الثانية: روي أن معاذ بن جبل وثعلبة بن غنم وكل واحد منهما كان من الأنصار قالا يا رسول الله: ما بال الهلال يبدو دقيقاً مثل الخيط ثم يزيد حتى يمتلىء ويستوي، ثم لا يزال ينقص حتى يعود كما بدا، لا يكون على حالة واحدة كالشمس، فنزلت هذه الآية ويروى أيضاً عن معاذ أن اليهود سألت عن الأهلة. واعلم أن قوله تعالى: { يَسْـئَلُونَكَ عَنِ ٱلأَهِلَّةِ } ليس فيه بيان إنهم عن أي شيء سألوا لكن الجواب كالدال على موضع السؤال، لأن قوله: { قُلْ هِىَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَٱلْحَجّ } يدل على أن سؤالهم كان على وجه الفائدة والحكمة في تغير حال الأهلة في النقصان والزيادة، فصار القرآن والخبر متطابقين في أن السؤال كان عن هذا المعنى.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8