الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ ٱلنِّسَآءَ كَرْهاً وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَآ ءَاتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَٰحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ ٱللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً }

اعلم أنه تعالى بعد وصف التوبة عاد الى أحكام النساء، واعلم أن أهل الجاهلية كانوا يؤذون النساء بأنواع كثيرة من الايذاء، ويظلمونهن بضروب من الظلم، فالله تعالى نهاهم عنها في هذه الآيات. فالنوع الأول: قوله تعالى: { لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ ٱلنّسَاء كَرْهاً } وفيه مسألتان: المسألة الأولى: في الآية قولان: الأول: كان الرجل في الجاهلية اذا مات وكانت له زوجة جاء ابنه من غيرها أو بعض أقاربه فألقى ثوبه على المرأة وقال: ورثت امرأته كما ورثت ماله، فصار أحق بها من سائر الناس ومن نفسها، فان شاء تزوجها بغير صداق، إلا الصداق الأول الذي أصدقها الميت، وإن شاء زوجها من إنسان آخر وأخذ صداقها ولم يعطها منه شيئا، فأنزل الله تعالى هذه الآية، وبين أن ذلك حرام وأن الرجل لا يرث امرأة الميت منه، فعلى هذا القول المراد بقوله: { أَن تَرِثُواْ ٱلنّسَاء } عين النساء، وأنهن لا يورثن من الميت. والقول الثاني: ان الوراثة تعود الى المال، وذلك أن وارث الميت كان له أن يمنعها من الأزواج حتى تموت فيرثها مالها، فقال تعالى: لا يحل لكم أن ترثوا أموالهن وهن كارهات. المسألة الثانية: قرأ حمزة والكسائي { كَرْهاً } بضم الكاف، وفي التوبةأَنفِقُواْ طَوْعاً أَوْ كَرْهاً } [التوبة: 53] وفي الأحقافحَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً } [الأحقاف: 15] كل ذلك بالضم، وقرأ عاصم وابن عامر في الأحقاف بالضم، والباقي بالفتح، وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو بالفتح في جميع ذلك، قال الكسائي: هما لغتان بمعنى واحد، وقال الفراء: الكره بالفتح الاكراه، وبالضم المشقة، فما أكره عليه فهو كره بالفتح، وما كان من قبل نفسه فهو كره بالضم. النوع الثاني: من الأشياء التي نهى الله عنها مما يتعلق بالنساء قوله تعالى: { وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا ءاتَيْتُمُوهُنَّ } وفيه مسائل: المسألة الأولى: في محل { وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ } قولان: الأول: انه نصب بالعطف على حرف «أن» تقديره: ولا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا أن تعضلوهن في قراءة عبدالله، والثاني: أنه جزم بالنهي عطفا على ما تقدم تقديره، ولا ترثوا ولا تعضلوا. المسألة الثانية: العضل: المنع، ومنه الداء العضال، وقد تقدم الاستقصاء فيه في قوله:فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوٰجَهُنَّ } [البقرة: 232]. المسألة الثالثة: المخاطب في قوله: { وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ } من هو؟ فيه أقوال: الأول: أن الرجل منهم قد كان يكره زوجته ويريد مفارقتها، فكان يسيء العشرة معها ويضيق عليها حتى تفتدي منه نفسها بمهرها، وهذا القول اختيار أكثر المفسرين، فكأنه تعالى قال: لا يحل لكم التزوج بهن بالاكراه، وكذلك لا يحل لكم بعد التزوج بهن العضل والحبس لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن.

السابقالتالي
2 3