الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ هَـٰذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَآءَ ٱتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلاً } * { إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَىٰ مِن ثُلُثَيِ ٱلَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَآئِفَةٌ مِّنَ ٱلَّذِينَ مَعَكَ وَٱللَّهُ يُقَدِّرُ ٱلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَٱقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنَ ٱلْقُرْآنِ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُمْ مَّرْضَىٰ وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي ٱلأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَٱقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَٰوةَ وَأَقْرِضُواْ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُمْ مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ ٱللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَٱسْتَغْفِرُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

الإشارة بقوله { إِنَّ هَـٰذِهِ } إلى ما تقدّم من الآيات، والتذكرة الموعظة، والإشارة إلى جميع آيات القرآن، لا إلى ما في هذه السورة فقط { فَمَن شَاء ٱتَّخَذَ إِلَىٰ رَبّهِ سَبِيلاً } أي اتخذ بالطاعة التي أهم أنواعها التوحيد إلى ربه طريقاً توصله إلى الجنة. { إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَىٰ مِن ثُلُثَىِ ٱلَّيْلِ } معنى { أدنى } أقلّ، استعير له الأدنى لأن المسافة بين السنين إذا دنت قلّ ما بينهما { وَنِصْفَهُ } معطوف على أدنى { وَثُلُثَهُ } معطوف على نصفه، والمعنى أن الله يعلم أن رسوله صلى الله عليه وسلم يقوم أقلّ من ثلثي الليل، ويقوم نصفه، ويقوم ثلثه، وبالنصب قرأ ابن كثير، والكوفيون، وقرأ الجمهور " ونصفه وثلثه " بالجر عطفاً على ثلثي الليل، والمعنى أن الله يعلم أن رسوله يقوم أقلّ من ثلثي الليل، وأقلّ من نصفه، وأقلّ من ثلثه، واختار قراءة الجمهور أبو عبيد وأبو حاتم لقوله { عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ } فكيف يقومون نصفه وثلثه وهم لا يحصونه. وقال الفرّاء القراءة الأولى أشبه بالصواب لأنه قال أقلّ من ثلثي الليل، ثم فسر نفس القلة { وَطَائِفَةٌ مّنَ ٱلَّذِينَ مَعَكَ } معطوف على الضمير في تقوم أي وتقوم ذلك القدر معك طائفة من أصحابك. { وَٱللَّهُ يُقَدّرُ ٱلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ } أي يعلم مقادير الليل والنهار على حقائقها، ويختص بذلك دون غيره، وأنتم لا تعلمون ذلك على الحقيقة. قال عطاء يريد لا يفوته علم ما تفعلون. أي أنه يعلم مقادير الليل والنهار، فيعلم قدر الذي تقومونه من الليل { عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ } أن لن تطيقوا علم مقادير الليل والنهار على الحقيقة، وفي أن ضمير شأن محذوف. وقيل المعنى لن تطيقوا قيام الليل. قال القرطبي والأوّل أصحّ، فإن قيام الليل ما فرض كله قط، قال مقاتل وغيره لما نزلقُمِ ٱلَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً * نّصْفَهُ أَوِ ٱنقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ } المزمل 2 ـ 4 شقّ ذلك عليهم، وكان الرجل لا يدري متى نصف الليل من ثلثه، فيقوم حتى يصبح مخافة أن يخطىء، فانتفخت أقدامهم، وانتقعت ألوانهم، فرحمهم الله، وخفف عنهم فقال { عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ } أي علم أن لن تحصوه لأنكم إن زدتم ثقل عليكم واحتجتم إلى تكلف ما ليس فرضاً، وإن نقصتم شق ذلك عليكم. { فَتَابَ عَلَيْكُمْ } أي فعاد عليكم بالعفو، ورخص لكم في ترك القيام. وقيل فتاب عليكم من فرض القيام إذا عجزتم، وأصل التوبة الرجوع، كما تقدّم فالمعنى رجع بكم من التثقيل إلى التخفيف، ومن العسر إلى اليسر. { فَٱقْرَءواْ مَا تَيَسَّرَ مِنَ ٱلْقُرْءانِ } أي فاقرءوا في الصلاة بالليل ما خف عليكم، وتيسّر لكم منه من غير أن ترقبوا وقتاً.

السابقالتالي
2 3