الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلإِسْلاَمُ وَمَا ٱخْتَلَفَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ }

قرأ الكسائي بفتح الهمزة، والباقون بكسرها، فأما قراءة الجماعةِ فعلى الاستئناف، وهي مؤكِّدة للجملة الأولى.

قال الزمخشريُّ: " فإن قلتَ: ما فائدة هذا التوكيد؟ قلت: فائدته أن قوله: { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } توحيد، وقوله: " قائِماً بِالقِسْط " تعديلٌ، فإذا أردفه بقوله: { إِنَّ الدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلإِسْلاَمُ } فقد آذَن أن الإسلام هو العدل والتوحيد، وهو الدين عند الله، وما عداه فليس في شيء من الدين عنده ".

وأما قراءة الكسائي ففيها أوجه:

أحدها: أنها بدل من { أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } - على قراءة الجمهورِ - في أن { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } فيها وجهان:

أحدهما: أنه من بدل الشيء من الشيء، وذلك أن الدين - الذي هو الإسلام - يتضمن العدلَ، والتوحيد، وهو هو في المعنى.

والثاني: أنه بدل اشتمال؛ لأن الإسلام يشتمل على التوحيدِ والعدلِ.

والثاني من الأوْجُهِ السابقةِ: أن يكون " إنَّ الدِّينَ " بدلاً من قوله " بِالْقِسْطِ " ثم لك اعتباران:

أحدهما: أن تجعله بدلاً من لفظه، فيكون محل " إنَّ الدِّينَ " الجر.

والثاني: أن تجعلَه بدلاً من موضعه، فيكون محلها نصباً، وهذا - الثاني - لا حاجة إليه - وإن كان أبو البقاء ذَكَرَه.

وإنما صحَّ البدلُ في المعنى؛ لأن الدين - الذي هو الإسلامُ - قِسْط وعَدْل، فيكون - أيضاً - من بدل الشيء من الشيء - وهما لعينٍ واحدة -.

ويجوز أن يكون بدل اشتمال؛ لأن الدين مشتمل على القسط - وهو العدل - وهذه التخاريج لأبي علي الفارسي، وتبعه الزمخشريُّ في بعضها.

قال أبو حيّان: " وهو - أبو علي - معتزليّ، فلذلك يشتمل كلامُه على لفظ المعتزلة من التوحيد والعدل، وعلى البدل من أنه خرجه هو وغيره، وليس بجيد؛ لأنه يؤدي إلى تركيب بعيد أن يأتي في كلام العرب وهو: عَرَفَ زَيْدٌ أنَّهُ لاَ شُجَاعَ إلاَّ هُوَ وَبَنُو تَمِيمٍ وَبَنُو دَارِمٍ مُلاَقِياً لِلْحُرُوبِ، لاَ شُجَاعَ إلاَّ هُوَ الْبَطَلُ الْحَامِي، إنَّ الخصلةَ الحميدةَ هي البسالةُ، وتقريب هذا المثال: ضرب زيدٌ عائشة، والعُمرانِ حَنِقاً أختك، فحَنقاً، حال من " زيد " و " أختك " بدل من " عائشة " ففصل بين البدل والمبدل منه بالعطف - وهذا لا يجوز - والحال لغير المبدل منه - وهو لا يجوز -؛ لأنه فصل بأجنبي بين البدل والمبدل منه ".

قوله عرف زيد هو نظير " شَهِدَ اللهُ " ، وقوله: أنه لا شجاع إلا هو نظير { أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } وقوله: وبنو دارم نظير قوله: " وَالْمَلاَئِكَةُ " وقوله: ملاقياً للحروب نظير قوله: " قَائِماً بِالْقِسْطِ " وقوله: لا شجاع إلا هو نظير قوله: { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } فجاء به مكرَّراً - كما في الآية - وقوله: البطل الحامي نظير قوله " الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ " وقوله: إن الخصلةَ الحميدةَ هي البسالةُ نظير قوله: { إِنَّ الدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلإِسْلاَمُ }.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7