الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَٱغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ ٱلأَصْوَاتِ لَصَوْتُ ٱلْحَمِيرِ }

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَٱقْصِدْ فِي مَشْيِكَ }؛ أي تَوَاضَع ولا تتبختَر، وليكن مشيُكَ قَصْداً لا تبختُراً ولا إسراعاً. قال صلى الله عليه وسلم: " سُرْعَةُ الْمَشْيِ تَذْهَبُ بَهَاءَ الْمُؤْمِنِ " يقالُ: قَصَدَ فلانٌ في مشيتهِ إذا مشَى مُستوِياً، وقال مقاتلُ: (لاَ تَخْتَلْ فِي مِشْيَتِكَ)، وقال عطاءُ: (قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَٱقْصِدْ فِي مَشْيِكَ } أيْ امْشِ بالْوَقَارِ وَالسَّكِيْنَةِ) كقولهِ تعالى:وَعِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَىٰ ٱلأَرْضِ هَوْناً } [الفرقان: 63]، والمعنى: اقصِدْ في الْمَشْيِ، لا تعجَلْ ولا تَمشِ بالْهُوَيْنَا.

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَٱغْضُضْ مِن صَوْتِكَ }؛ أي اخفِضْ صوتَكَ ولا ترفعْهُ على وجهِ انتهار النَّاس وإظهار الاستخفافِ بهم، وقال عطاءُ: (مَعْنَاهُ: اغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إذَا دَعَوْتَ وَنَاجَيْتَ رَبَّكَ)، وكذلك وصيَّةُ الله تعالى في الإنجيلِ لعِيسَى عليه السلام: مُرْ عِبَادِي يَخْفِضُوا أصْوَاتَهُم إذا دَعَونِي، فإنِّي أسمعُ وأعلَمُ ما في قلوبهم.

قَوْلُهُ تَعَالَى: { إِنَّ أَنكَرَ ٱلأَصْوَاتِ لَصَوْتُ ٱلْحَمِيرِ }؛ أي أقبحُ الأصواتِ صوتُ الحميرِ؛ لأن أوَّلَهُ زفيرٌ وآخرهُ شهيقٌ. قال ابن زيدٍ: (لَوْ كَانَ فِي رَفْعِ الصَّوْتِ خَيْراً مَا جَعَلَهُ اللهُ لِلْحَمِيْرِ)، وعن أُمِّ سعدٍ قالت: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " إنَّ اللهَ تَعَالَى يَبْغَضُ ثَلاَثَةَ أصْوَاتٍ: نَهِيْقُ الْحِمَار، وَنُبَاحُ الْكَلْب، وَالدَّاعِيَةُ بالْوَيْلِ وَالْحَرْب " وقال سُفيان: (صِيَاحُ كُلِّ شَيْءٍ تَسْبيحُهُ اللهَ إلاَّ الْحِمَارُ فَإنَّهُ يَنْهَقُ بلاَ فَائِدَةٍ).