{ وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ } أي: شدَّته المحيِّرة الشاغلة للحواس، المذهلة للعقل { بِالْحَقِّ } أي: بالموعود الحق، والأمرِ المحقَّق، وهو الموت فالباء للملابسة. أو بالموعود الحق من أمر الآخرة، والثواب والعقاب الذي غفل عنه، فالباء للتعدية، أي: أحضرت سكرة الموت حقيقة الأمر، وهي أحوالها الباطنة، وأظهرتها عليه. قال الشهاب: السكرة استعيرت للشدة، ووجه الشبه بينهما أن كلاً منهما مذهِب للعقل، فالاستعارة تصريحية تحقيقية. ويجوز أن يشبه الموت بالشراب على طريق الاستعارة المكنية. وإثبات السكرة لها تخييل. { ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ } أي: تَفرّ. والجملة على تقدير القول، أي: يقال له وقت الموت: ذلك الأمر الذي رأيته هو الذي كنت منه تحيد في حياتك، فلم ينفعك الهرب والفرار. وهل المشار إليه بذلك، الحق أو الموت؟ قال الطيبيّ: إن اتصل قوله: { وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ... } إلخ، بقوله:{ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ } [ق: 15] وما معه، فالمشار إليه بذلك الحق، والخطاب للفاجر، أي: جاءك أيها الفاجر الحقُّ الذي أنكرته، وإن اتصل بقوله:{ وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ... } [ق: 16] إلخ، فالمشار إليه الموت، والالتفات لا يفارق الوجهين، والثاني هو المناسب، لقوله:{ وَجَآءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَآئِقٌ وَشَهِيدٌ } [ق: 21] بعده، وتفصيله{ أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ } [ق: 24]{ وَأُزْلِفَتِ ٱلْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ } [ق: 31] انتهى.