الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ أَفَرَأَيْتُمُ ٱللاَّتَ وَٱلْعُزَّىٰ } * { وَمَنَاةَ ٱلثَّالِثَةَ ٱلأُخْرَىٰ }

{ أَفَرَأَيْتُمُ ٱللاَّتَ } قال ابن كثير: هي صخرة بيضاء منقوشة، وعليها بيت بالطائف له أستار وسدنة، وحوله فناء معظَّم عند أهل الطائف، وهم ثقيف ومن تابعها، يفتخرون بها على من عداهم من أحياء العرب بعد قريش.

قال ابن جرير: وكانوا قد اشتقوا اسمها من اسم الله، فقالوا: { ٱللاَّتَ } يعنون مؤنثة من لفظه، تعالى الله عن قولهم علوّاً كبيراً، كما قالوا: عمرو وعمرة.

وقال الزمخشريّ: هي فعلة من (لوى) لأنهم كانوا يلوون عليها، ويعكفون للعبادة، أو يلتوون عليها، أي: يطوفون.

وحكي عن ابن عباس ومجاهد والربيع بن أنس أنهم قرأوا: (اللاتّ) بتشديد التاء، وفسروه بأنه كان رجلاً يلتّ للحجيج في الجاهلية السويق، فلما مات عكفوا على قبره وعبدوه. { وَٱلْعُزَّىٰ } وهي شجرة عليها بناء وأستار بنخلة، وهي بين مكة والطائف.

قال ابن جرير: اشتقوا اسمها من اسمه تعالى (العزيز) وقال الزمخشريّ: أصلها تأنيث الأعز.

{ وَمَنَاةَ ٱلثَّالِثَةَ ٱلأُخْرَىٰ } وهي صخرة كانت بالمشلل عند قديد، بين مكة والمدينة وكانت خزاعة والأوس والخزرج في جاهليتها يعظّمونها، ويهلون منها للحج إلى الكعبة.

روى البخاريّ عن عائشة نحوه.

قال ابن جرير: وكان بعض أهل المعرفة بكلام العرب من أهل البصرة يقول: اللات والعُزَّى ومناة الثالثة، أصنام من حجارة كانت في جوف الكعبة يعبدونها. انتهى.

تنبيهات

الأول: قال القاضي: (مناة) فعلة، من مناه إذا قطعه. فإنهم كانوا يذبحون عندها القرابين. ومنه سميت (منى) لأنه يمنى فيها القرابين، أي: ينحر.

وقال الزمخشريّ: وكأنها سميت (مناة) لأن دماء المناسك كانت تمنى عندها، أي: تراق. وقرئ (مناءة) مفعلة من (النوء)، كأنهم كانوا يستمطرون عندها الأنواء تبركاً بها.

فإن قيل: كونها ثالثة وأخرى مغايرة لما تقدمها، معلوم غير محتاج للبيان.

وأجيب: بأنهما صفتان للتأكيد، أو { ٱلثَّالِثَةَ } للتأكيد، و { ٱلأُخْرَىٰ } بيان لها، لأنها مؤخرة رتبة عندهم، عن اللات والعزى.

قال الناصر: { ٱلأُخْرَىٰ } ما يثبت آخراً، ولا شك أنه في الأصل مشتق من التأخير الوجوديّ، إلا أن العرب عدلت به عن الاستعمال في التأخير الوجوديّ إلى الاستعمال، حيث يتقدم ذكر معاير لا غير حتى سلبته دلالته على المعنى الأصليّ، بخلاف (آخر) و (آخرة) على وزن فاعل وفاعلة، فإن إشعارهما بالتأخير الوجوديّ، ثابت لم يغير، ومن ثم عدلوا عن أن يقولوا ربيع الآخَر، على وزن الأفعل، وجمادى الأخرى، إلى ربيع الآخر على وزن فاعل، وجمادى الآخرة على وزن فاعلة؛ لأنهم أرادوا أن يفهموا التأخير الوجوديّ؛ لأن (الأفعل) و (الفعلى) من هذا الاشتقاق مسلوب الدلالة على غرضهم، فعدلوا عنها إلى الآخر والآخرة والتزموا ذلك فيهما. وهذا البحث مما كان الشيخ أبو عمرو بن الحاجب رحمه الله تعالى قد حرره آخر مدتهُ، وهو الحق إن شاء الله تعالى، وحينئذ يكون المراد الإشعار بتقدم مغاير في الذكر مع ما نعتقده في الوفاء بفاصلة رأس الآية.

السابقالتالي
2