الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَآءَكُمُ ٱلْفَتْحُ وَإِن تَنتَهُواْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَعُودُواْ نَعُدْ وَلَن تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُؤْمِنِينَ }

{ إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَآءَكُمُ ٱلْفَتْحُ } خطاب للمشركين، أي: إن تطلبوا الفتح، أي: القضاء وأن يفصل بينكم وبين أعدائكم المؤمنين، فقد جاءكم القضاء بما سألتم.

روى الإمام أحمد والنسائيّ والحاكم، وصححه، عن عبد الله بن ثعلبة أن أبا جهل قال، حين التقى القوم: اللهم أقطعنا للرحِمِ، وآتانا بما لا نعرفه، فأحِنْهُ - أي فأهلكه - الغداة، فكان المستفتِحَ.

وعن السّدّي، أن المشركين حين خرجوا من مكة إلى بدر: أخذوا بأستار الكعبة، فاستنصروا الله وقالوا: اللهم انصر أعزّ الجندين، وأكْرَمَ الفئتين، وخيرَ القبليتين، فقال تعالى: { إِن تَسْتَفْتِحُواْ... } الآية.

وعن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: أن هذه الآية إخبار عنهم بما قالوا:ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ... } الآية [الأنفال: 32] - قيل: في هذا الخطاب تهكم بهم، يعني: في قوله تعالى: { فَقَدْ جَآءَكُمُ ٱلْفَتْحُ }؛ لأن الذي جاءهم الهلاك والذلة. كذا في (العناية). وهو مبنيّ على أن الفتح بمعنى النصر، وله معنى آخر وهو الحكم بين الخصمين والقضاء. وبهما فسرت الآية أيضاً.

{ وَإِن تَنتَهُواْ } أي: عن الكفر وعداوة الرسول { فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ } أي: في الدنيا والآخرة { وَإِن تَعُودُواْ } أي: لمحاربة الرسول: { نَعُدْ } أي: لنصره عليكم { وَلَن تُغْنِيَ } أي: تدفع { عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } أي: بالنصر. قرئ بكسر { إِن } استئنافاً، وفتحها، على تقدير اللام.

تنبيه

جُوِّز أن يكون الخطاب في قوله تعالى: { إِن تَسْتَفْتِحُواْ } للمؤمنين، أي: إن تطلبوا النصر باستغاثتكم ربكم، فقد حصل لكم ذلك، فاشكروا ربكم، والزموا طاعته. وقوله تعالى: { إِن تَنتَهُواْ } أي: عن المنازعة في أمر الأنفال، وعن طلب الفداء على الأسرى الذين عوتبوا عليه بقوله تعالى:لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ ٱللَّهِ سَبَقَ } [الأنفال: 68]، فقال تعالى: { وَإِن تَنتَهُواْ } - عن مثله - { فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَعُودُواْ } إلى تلك المنازعات نعد عليكم بالإنكار، وتهييج العدوّ؛ لأن الوعد بنصرتكم مشروط بشرط استمراركم على الطاعة، وترك المخالفة، ثم لا تنفعكم الفئة والكثرة، إذا لم يكن الله معكم بالنصر، فإنه مع الكاملين في إيمانهم. وهذا الوجه قرره الرازيّ ونقله عن القاضيّ.

قال البيضاويّ: ويؤكده الآية بعدُ، فإن المراد بها الأمر بطاعة الرسول، والنهي عن الإعراض عنه، والله أعلم.