الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلصِّدِّيقُونَ وَٱلشُّهَدَآءُ عِندَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَآ أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَحِيمِ }

{ والذين آمنوا بالله ورسله } كافة وهو مبتدأ { اولئك } مبتدأ ثان { هم } مبتدأ ثالث خبره قوله { الصديقون والشهداء } وهو مع خبره خبر للاول او هم ضمير الفصل ومابعده خبر لاولئك والجملة خبر للموصول اى اولئك { عند ربهم } بمنزلة الصديقين والشهداء المشهورين بعلو المرتبة ورفعة المحل وهم الذين سبقوا الى التصديق واستشهدوا فى سبيل الله قال فى فتح الرحمن الصديق نعت لمن كثر منه الصدق وهم ثمانية نفر من هذه الامة سبقو اهل الارض فى زمانهم الى الاسلام ابو بكر وعلى وزيد وعثمان وطلحة والزبير وسعد وحمزة وتاسعهم عمر بن الخطاب رضى الله عنهم الحقه الله بهم وان تم به الاربعون لما عرف من صدق نيته وقيل الشهدآء على ثلاث درجات الدرجة الاولى الشهيد بين الصفين وهو اكبرهم درجة ثم كل من قضى بقارعة او بلية وهى الدرجة الثانية مثل الغرق والحرق والهالك فى الهدم والمطعون والمبطون والغريب والميتة بالوضع والميت يوم الجمعة وليلة الجمعة والميت على الطهارة والدرجة الثالثة مانطقت به هذه الآية العامة للمؤمنين وقال بعضهم فى معنى الآية هم المبالغون فى الصدق حيث آمنوا وصدقوا جميع اخباره تعالى ورسله والقائمون بالشهادة لله بالوحدانية ولهم بالايمان او على الامم يوم القيامة وقال بعض الكبار يعنى الذين آمنوا بالله ايمانا حقيقيا شهوديا عيانيا لاعلميا بيانيا وذلك بطريق الفناء فى الله نفسا وقلبا وسرا وروحا والبقاء به وآمنوا برسله بفناء صفات القلب والبقاء بصفات الروح اولئك هم المتحققون بصفة الصديقية البالغون اقصى مراتب الصدق والشهدآء مختص بهم لابمن آمن بالتقليد وصدق وشهد باللسان من غير العيان والعيان يترتب على الفناء وفرقوا بين الصادق والصديق بأن الصادق كالمخلص بالكسر من تخلص من شوآئب الصفات النفسانية مطلقا والصديق كالمخلص بالفتح من تخلص ايضا عن شوآئب الغيريه والثانى اوسع فلكا واكثر احاطة فكل صديق ومخلص بالفتح صادق ومخلص بالكسر من غير عكس قال أبو على الجرجانى قدس سرة قلوب الابرار متعلقة بالكمون مقبلين ومدبرين وقلوب الصديقين معلقة بالعرش مقبلين بالله لله { لهم اجرهم ونورهم } مبتدأ وخبر والجملة خبر ثان للموصول والضمير الاول على الوجه الاول للموصول والاخيران للصديقين والشهدآء ولا بأس بالفك عند الامن اى لهم مثل اجرهم ونورهم المعروفين بغاية الكمال وعزة المنال وقد حذف اداة التشبيه تنبيها على قوة المماثلة وبلوغها حد الاتحاد كما فعل ذلك حيث قيل هم الصديقون والشهدآء ولست المماثلة بين ما للفريق الاول من الأجر و النور وبين تمام ماللأخيرين من الاصل بدون الاضعاف ليحصل التفاوت واما على الوجه الثانى فمرجع الكل واحد والمعنى لهم الأجر والنور الموعود ان لهم قال بعض الكبار لايكون الأجر الا مكتسبا فان اعطاك الحق تعالى ماهو خارج عن الكسب فهو نور وهبات ولا يقال له أجر ولهذا قال تعالى لهم { اجرهم ونورهم } فان أجرهم ما اكتسبوه ونورهم ماوهبه الحق لهم من ذلك حتى لاينفرد الأجر من غير أن يختلط به الوهب لان الأجر فيه شائبة الاستحقاق اذ هو معاوضة عن عمل ما تقدم يضاف الى العبد فماتم أجر الا ويخالطه نور وذلك لتكون المنة الالهية مصاحبة للعبد حيث كان فان تسمية العبد أجيرا مشعر بأن له نسبة فى الطاعات والاعمال الصادرة عنه فتكون الاجارة من تلك النسبة ولذلك طلب العبد العون على خدمة سيده فان قلت من اى جهة قيل العبد الاجرة والبعد واجب عليه الخدمة لسيده من غير أن يأخذ اجرة وان جعلناه أجنبيا فمن اى جهة تعين الفرض عليه ابتدآء قيل الاجر والأجير لا يفترض عليه الا حين يؤجر نفسه قلت الانسان مع الحق تعالى على حالين حالة عبودية وحالة اجارة فمن كونه عبدا فهو مكلف بالفرض كالصلاة والزكاة وجميع الفرائض ولا أجر له على ذلك جملة واحدة ومن كونه أجيرا له الاجرة بحكم الوعد الالهى ولكن ذلك مخصوص بالأعمال المندوبة لا المفروضة فعلى تلك الأعمال التى ندب الحق اليها فرضت الاجور فان تقرب العبد بها الى سيده أعطاه اجارته وان لم يتقرب لم يطلب بها ولا عوتب عليها ومن هنا كان العبد حكمه حكم الأجنبى فى الاجارة للفرض الذى يقابله الجزآء اذ هو العهد الذى بين الله وبين عباده واما النوافل فلها الاجور المنتجة للمحبة الالهية كما قال

السابقالتالي
2 3