الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير صدر المتألهين/ صدر المتألهين الشيرازي (ت 1059 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلصِّدِّيقُونَ وَٱلشُّهَدَآءُ عِندَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَآ أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَحِيمِ }

{ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلصِّدِّيقُونَ وَٱلشُّهَدَآءُ عِندَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ... }

الصَدّيق: الكثير الصدق المبالغ فيه. وهو اسم مدح وتعظيم.

قال الزمخشري: " أي: هم عند الله بمنزلة الصِدّيقين والشهداء، وهم الذين سبقوا إلى التصديق، واستشهدوا في سبيل الله - لهم أجرهم ونورهم - أي مثل أجر الصدّيقين والشهداء ومثل نورهم ".

ثم استشكل بعض المفسرين في هذه المماثلة بينهم في الأجر والجزاء مع تفاوت قدرهم. فأجاب عنه بعضهم بإعطاء الله تعالى أجر المؤمنين مضاعفاً بفضله ورحمته، حتى يساوي أجرهم مع المضاعفة أجر أولئك.

وفيه نظر بعد، لأن باب الرحمة والتضعيف كما انفتحت لهؤلاء، انفتحت لأولئك، لأن الله تعالى واحد لا تغيّر فيه، فيّاض على الجميع، ولو كان المراد أن أجر هؤلاء مع التضعيف مثل أجرهم - لا معه -، يفوت مدح المؤمنين، - والمقام مما يقتضيه -.

والأوْلىٰ أن يراد من الإيمان بالله والرسول مرتبة كاملة من المعرفة التي لا تتحقق إلاَّ في العلماء، أو يراد منه الإيمان الحقيقي الباطني الكشفي، وهو الذي يكون للأولياء والعرفاء خاصة، فإنهم هم الصِدّيقون والشهداء لغاية تصديقهم الحاصل بالكشف، وفنائهم عن ذاتهم الحاصل بسبب المجاهدة الباطنية مع النفس وقواها الأمّارة.

قال مجاهد: كل من آمن بالله ورسله فهو صِدّيق شهيد - وقرأ هذه الآية.

لهم أجرهم ونورهم: أي لهم ثواب طاعتهم ونور إيمانهم، وهو النور الذي يهتدون به إلى طريق الجنة، وهذا قول عبد الله بن مسعود، ورواه البراء بن عازب عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم).

وروى العياشي: بالاسناد عن منهال القصّاب، قال: قلت لابي عبد الله (عليه السلام): أدعُ الله أن يرزقني الشهادة.

فقال (عليه السلام): إن المؤمن شهيد - وقرأ هذه الآية -.

وعن الحارث بن المغيرة، قال: كنا عند أبي جعفر (عليه السلام) فقال: العارف منكم هذا الأمر، المنتظر له، المحتسب فيه الخير، كمن جاهد والله مع قائم آل محمّد بسيفه.

ثم قال: بل والله كمن جاهد مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بسيفه.

ثم قال الثالثة: بلى والله كمن استشهد مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في فسطاطه، وفيكم آية من كتاب الله - وقرأ هذه الآية، ثم قال: - صرتم والله صادقين شهداء عند ربّكم.

وقيل: إن " الشهداء " منفصل عمّا قبله مُستأنَف، والمراد بالشهداء: الأنبياء الذين يشهدون للأمم وعليهم - وهو قول ابن عباس ومسروق ومقاتل بن حيان، واختاره الفراء والزجاج.

وقيل: هم الذين استشهدوا في سبيل الله - عن مقاتل بن سليمان وابن جرير.

مكاشفة

إعلم - أيها السالك -، أن لفظ " الإيمان بالله والرسول " ، يطلق بالاشتراك والمجاز العرفي بين مراتب متفاوتة في المعرفة:

إحداها: ما تلقفه العامي تقليداً أو تسليماً من غير بصيرة كشفية ولا معرفة كسبية، سواء كانت برهانية أو جدلية -، وهو الإيمان باللسان، وفائدته: العصمة لصاحبه في الدنيا عن السيف والسنان.

السابقالتالي
2 3 4