الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَٰدةً قُلِ ٱللَّهُ شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ لأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَن بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ ٱللَّهِ ءَالِهَةً أُخْرَىٰ قُل لاَّ أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ } * { ٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَآءَهُمُ ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ }

بيان احتجاج على الوحدانية من طريق الوحي فإن وحدة الإِله وانتفاء الشريك عنه وإن كانت مما يناله العقل بوجوه من النيل فلا مانع من إثباته من طريق الوحي الصريح الذي لا مرية فيه، فالمطلوب هو اليقين بأنه تعالى إله واحد لا شريك له، وإذا فرض حصوله من طريق الوحي الذي لا يداخله ريب في كونه وحياً إلهياً كالقرآن المتكئ على التحدي فلا مانع من الاستناد إليه. قوله تعالى { قل أي شيء أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم } أمر نبيه أن يسألهم عن أكبر الأشياء من حيث الشهادة، والشهادة هي تحمل الخبر عن نوع من العيان كالإِبصار ونحوه، وأداء ما تحمل كذلك بالإِخبار والإِنباء، وإذ كان التحمل والأداء - وخاصة التحمل - مما يختلف بحسب إدراك المتحملين وبحسب وضوح الخبر الذي تحمّله المتحمل، وبحسب قوة المؤدي بياناً وضعفه اختلافاً فاحشاً. فليس المتحمل الذي يغلب على مزاجه السهو والنسيان أو الغفلة كالذي يحفظ ما يعيه سمعه ويقع عليه بصره، وليس الصاحي كالسكران ولا الخبير الأخصائي بأمر كالأجنبي الأعزل. وإذا كان الأمر على ذلك فلا يقع ريب في أن الله سبحانه هو أكبر من كل شيء شهادة فإنه هو الذي أوجد كل ما دق وجل من الأشياء، وإليه ينتهي كل أمر وخلق، وهو المحيط بكل شيء ومع كل شيء لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في السماوات والأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر لا يضل ولا ينسى. ولكون الأمر بيناً لا يقع فيه شك لم يحتج إلى إيراد الجواب في اللفظ بأن يقال قل الله أكبر شهادة، كما قيلقل لمن ما في السماوات والأرض قل لله } الأنعام 12 أو يقال سيقولون الله، كما قيلقل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون، سيقولون لله } المؤمنون 84 - 85. على أن قوله { قل الله شهيد بينى وبينكم } يدل عليه ويسد مسده، وليس من البعيد أن يكون قوله { شهيد } خبراً لمبتدء محذوف هو الضمير العائد إلى الله، والتقدير " قل الله هو شهيد بيني وبينكم " فتشتمل الجملة على جواب السؤال وعلى ما استؤنف من الكلام. وقوله { قل الله شهيد بينى وبينكم } على أنه يشتمل على إخباره صلى الله عليه وآله وسلم بشهادة الله تعالى هو بنفسه شهادة لمكان قوله { قل } إذ أمره بأن يخبرهم بشهادته تعالى بالنبوة لا ينفك عن الشهادة بذلك، وعلى هذا فلا حاجة إلى التشبث بأنواع ما وقع في القرآن الكريم من شهادة الله تعالى على نبوته صلى الله عليه وآله وسلم وعلى نزول القرآن من عنده كقوله تعالىوالله يعلم إنك لرسوله } المنافقون 1 أو قوله

السابقالتالي
2 3 4 5