الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ فَقَالُواْ رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوۤاْ أَنفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ }

{ فَقَالُواْ رَبَّنَا بَـٰعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا } لما طالت بهم مدة النعمة بطروا وملوا وآثروا الذي هو أدنى على الذي هو خير كما فعل بنو إسرائيل وقالوا: لو كانت متاجرنا أبعد كان ما نجلبه منها أشهى وأغلى فطلبوا تبديل اتصال العمران وفصل المفاوز والقفار وفي ضمن ذلك إظهار القادرين منهم على قطعها بركوب الرواحل وتزود الأزواد الفخر والكبر على الفقراء العاجزين عن ذلك فجعل الله تعالى لهم الإجابة بتخريب القرى المتوسطة وجعلها بلقعاً لا يسمع فيها داع ولا مجيب، والظاهر أنهم قالوا ذلك بلسان القال، وجوز الإمام أن يكونو قالوا: { بَـٰعِدْ } بلسان الحال أي فلما كفروا فقد طلبوا أن يبعد بين أسفارهم ويخرب المعمور من ديارهم.

وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وهشام { بَعْدَ } بتشديد العين فعل طلب، وابن عباس وابن الحنفية وعمرو بن قائد { رَبَّنَا } رفعاً { بَعْدَ } بالتشديد فعلاً ماضياً، وابن عباس وابن الحنفية أيضاً وأبو رجاء والحسن ويعقوب وزيد بن علي وأبو صالح وابن أبـي ليلى والكلبـي ومحمد بن علي وسلام وأبو حيوة { ربنا } رفعاً و { بـٰعد } طلباً من المفاعلة، وابن الحنفية أيضاً وسعيد بن أبـي الحسن أخو الحسن وسفيان بن حسين وابن السميقع { ربنا } بالنصب { بعد } بضم العين فعلاً ماضياً { بين } بالنصب إلا سعيداً منهم فإنه يضم النون ويجعل { بين } فاعلاً، ومن نصب فالفاعل عنده ضمير يعود على { ٱلسَّيْرَ } ومن نصب { ربنا } جعله منادى فإن جاء بعده طلب كان ذلك أشراً وبطراً. وفاعل بمعنى فعل وإن جاء فعلاً ماضياً كان ذلك شكوى من مسافة ما بين قراهم مع قصرها لتجاوزهم في الترفه والتنعم أو شكوى مما حل بهم من بعد الأسفار التي طلبوها بعد وقوعها أو دعاء بلفظ الخبر، ومن رفع { ربنا } فلا يكون الفعل عنده إلا ماضياً والجملة خبرية متضمنة للشكوى على ما قيل، ونصب { بَيْنَ } بعد كل فعل متعد في إحدى القراءات ماضياً كان أو طلباً عند أبـي حيان على أنه مفعول به، وأيد ذلك بقراءة الرفع أو على الظرفية والفعل منزل منزلة اللازم أو متعد مفعوله محذوف أي السير وهو أسهل من إخراج الظرف الغير المتصرف / عن ظرفيته. وقرىء { بوعد } مبنياً للمفعول. وقرأ ابن يعمر { سَفَرِنَا } بالإفراد.

{ وَظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ } حيث عرضوها للسخط والعذاب حين بطروا النعمة وغمطوها { فَجَعَلْنَـٰهُمْ أَحَادِيثَ } جمع أحدوثة، وهي ما يتحدث به على سبيل التلهي والاستغراب لا جمع حديث على خلاف القياس، وجعلهم نفس الأحاديث إما على المبالغة أو تقدير المضاف أي جعلناهم بحديث يتحدث الناس بهم متعجبين من أحوالهم ومعتبرين بعاقبتهم ومآلهم. وقيل المراد لم يبق منهم إلا الحديث عنهم ولو بقي منهم طائفة لم يكونوا أحاديث.

السابقالتالي
2 3 4 5