الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ أَفَرَأَيْتُمُ ٱللاَّتَ وَٱلْعُزَّىٰ } * { وَمَنَاةَ ٱلثَّالِثَةَ ٱلأُخْرَىٰ } * { أَلَكُمُ ٱلذَّكَرُ وَلَهُ ٱلأُنْثَىٰ } * { تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَىٰ }

الاستفهام في { أَفَرَأَيْتُمُ.. } [النجم: 19] بمعنى أخبروني عن شأن هذه الأصنام التي اتخذتموها آلهة من دون الله، وقد كانوا يتخذون الآلهة على أشكال شتى، إنسان أو حيوان أو شجرة، وربما يتخذون صنماً لا شكلَ له. و { ٱللاَّتَ.. } [النجم: 19] صنم على شكل رجل كان عندهم يلتُّ العجين ليريح النساء من هذا العمل الشاق، ومات ولم يترك خَلفاً بعده يقوم بهذا العمل، فحزنوا لموته، وصنعوا له تمثالاً تكريماً لذكراه ثم بعد ذلك عبدوه. و { وَٱلْعُزَّىٰ } [النجم: 19] اسم شجرة كانوا يعبدونها، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم خالداً أن يذهب ويقطعها، وكان يقول:
يا عُزَّى كفرانك لا غفرانك   إني رأيت الله قد أهانك
{ وَمَنَاةَ ٱلثَّالِثَةَ ٱلأُخْرَىٰ } [النجم: 20] مناة أيضاً اسم صنم لهم، وقال: { ٱلثَّالِثَةَ ٱلأُخْرَىٰ } [النجم: 20] فهي ثالثتهم ولم تكُنْ على شكل إنسان أو حيوان، فقال: { ٱلأُخْرَىٰ } [النجم: 20] على سبيل تحقيرهم والاستهزاء بهم وبمَنْ عبدوهم. الحق سبحانه وتعالى جعلهم حكاماً على ما يفعلون وعلى عبادتهم للأصنام، فقال لهم: أخبروني عن هذه الأصنام هل تستحق أنْ تُعبد، هل لها قدرة أو إرادة، وهي أحجار جئتم بها بأيديكم وصوَّرتموها على صورة تريدونها؟ ثم إذا سقط الصنم وأطاحت به الريح أقمتموه، وإذا كسر ذراعه أصلحتموه، فكيف تعبدونها؟ وأين عقولكم؟ لكنها طبيعة التديُّن في الفطرة البشرية، فقد جبل الخالق سبحانه الإنسان على التدين، وقبل أنْ يُخلق آدم وهو ما يزال في عالم الذر وأخذ علينا العهد ونحن في عالم الذر في ظهر آدم عليه السلام. فقال سبحانه:وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِيۤ ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ شَهِدْنَآ أَن تَقُولُواْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَـٰذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُوۤاْ إِنَّمَآ أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ ٱلْمُبْطِلُونَ } [الأعراف: 172-173]. إذن: عبدوا الأصنام لما عندهم من إيمان الفطرة في النفس، لكن الإيمان له تبعات ومطلوبات قد تشقُّ على النفس وتقيد حركتها نحو الشهوات، فيميل الإنسانُ إلى عبادة إله بدون تكليف ليُرضيَ غريزة التدين في نفسه، ومن هنا عبدوا الأصنام لأنها آلهة في زعمهم، لكن ليس لها مطلوبات وليس لها منهج، وما عبدوها إلا لراحة مواجيدهم الإيمانية. ونلاحظ هنا دقة الأداء القرآني في قوله تعالى: { أَفَرَأَيْتُمُ ٱللاَّتَ وَٱلْعُزَّىٰ * وَمَنَاةَ ٱلثَّالِثَةَ ٱلأُخْرَىٰ } [النجم: 19-20] لأنهم عبدوا أيضاً الملائكة من دون الله، لكن لم يذكرها مع اللات والعزى ومناة، لأن الملائكة لا تُرى. فلا يصح أنْ يقول: أفرأيتم الملائكة لأنهم لم يروا الملائكة، إنما سمعوا عنها وآمنوا بها غيباً، وقالوا على كل هؤلاء: شعفاؤنا عند الله، وقالوا:

السابقالتالي
2 3 4 5