الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ ٱللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُواْ يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً }

{ وَأَنَّهُ } بفتح الهمزة عند الجمهور على أنه عطف علىأَنَّهُ ٱسْتَمَعَ } [الجن: 1] كالذي قبله فهو من كلامه تعالى أي وأوحي إليَّ أن الشأن { لَّمَا قَامَ عَبْدُ ٱللَّهِ } أي النبـي صلى الله عليه وسلم وقوله تعالى: { يَدْعُوهُ } حال من { عَبْدُ } أي لما قام عابداً له عز وجل وذلك قيامه عليه الصلاة والسلام لصلاة الفجر بنخلة كما مر { كَادُواْ } أي الجن كما قال ابن عباس والضحاك { يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً } متراكمين من ازدحامهم عليه تعجباً مما شاهدوا من عبادته وسمعوا من قراءته واقتداء أصحابه به قياماً وركوعاً وسجوداً لأنهم رأوا ما لم يروا مثله وسمعوا ما لم يسمعوا نظيره. وهذا كالظاهر في أنهم كانوا كثيرين لا تسعة ونحوها.

وإيراده عليه الصلاة والسلام بلفظ العبد دون لفظ النبـي أو الرسول أو الضمير إما لأنه مقول على لسانه صلى الله عليه وسلم لأنه أمر أن يقول أوحي كذا فجيء به على ما يقتضيه مقام العبودية والتواضع أو لأنه تعالى عدل عن ذلك تنبيهاً على أن العبادة من العبد لا تستبعد. ونقل عليه الصلاة والسلام كلامه سبحانه كما هو رفعاً لنفسه عن البين فلا وجود للأثر بعد العين. وحيث كان هذا العدول منه جل وعلا إما لكذا أو لكذا لا أنه تصرف من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يمتنع كما قال بعض الأجلة الجمع بين الحسنيين.

وقال الحسن وقتادة ضمير (كادوا) لكفار قريش والعرب فيراد بالقيام القيام بالرسالة وبالتلبد التلبد للعداوة والمعنى وأنه لما قام عبد الله بالرسالة يدعو الله تعالى وحده ويذر ما كانوا يدعون من دونه كادوا لتظاهرهم عليه وتعاونهم على عداوته يزدحمون عليه متراكمين. وجوز أن يكون الضمير على هذا للجن والإنس، وعن قتادة أيضاً ما يقتضيه قال تلبدت الإنس والجن على هذا الأمر ليطفؤه فأبـى الله تعالى إلا أن ينصره ويظهره على من ناوأه. وفي «البحر» أبعد من قال عبد الله هنا نوح عليه السلام كاد قومه يقتلونه حتى استنقذه الله تعالى منهم قاله الحسن، وأبعد منه قول من قال إنه عبد الله بن سلام اهـ ولعمري إنه لا ينبغي القول بذلك ولا أظن له صحة بوجه من الوجوه.

وقرأ نافع وأبو بكر كما قدمنا وابن هرمز وطلحة كما في «البحر» { وإنه } بكسر الهمزة وحمل على أن الجملة استئنافية من كلامه عز وجل، وجوز أن تكون من كلام الجن معطوفة على جملةإِنَّا سَمِعْنَا } [الجن: 1] حكوا فيها لقومهم لما رجعوا إليهم ما رأوا من صلاته صلى الله عليه وسلم وازدحام أصحابه عليه في ائتمامهم به، وحكي ذلك عن ابن جبير، وجوز نحو هذا على قراءة الفتح بناء على ما سمعت عن أبـي حاتم أو بتقدير ونخبركم بأنه أو نحوه هذا.

السابقالتالي
2