قوله تعالى: { ٱلَّذِينَ يَذْكُرُونَ }: فيه خمسة أوجه، أولها: أنه نعت لـ " أُولِي " ، فهو مجرورٌ. وثانِيها: أنه خبرُ مبتدأ محذوف أي: هم الذين. وثالثها: أنه منصوبٌ بإضمار " أعني " ، وهذان الوجهان يُسَمَّيان بالقطع، وقد تقدم ذلك مراراً. الرابع: أنه مبتدأ وخبره محذوف تقديره: يقولون: ربَّنا. قاله أبو البقاء. وخامسها: أنه بدلٌ من " أُولي " ذكره مكي. وأول الوجوه هو الأحسن. و { قِيَاماً وَقُعُوداً } حالان من فاعل " يَذْكُرون ". و { وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ } حالٌ أيضاً فيتعلَّقُ بمحذوف، والمعنى: يذكرونه قياماً وقعوداً ومضطجعين، فَعَطَفَ الحالَ المؤولة على الصريحة، عكسَ الآية الأخرى وهي قوله:{ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَآئِماً } [يونس: 12]، حيث عطف الصريحةَ على المؤولة. و " قياماً " و " قعوداً " جمعان لـ " قائم " و " قاعد ". وأُجيز أن يكونا مصدرين، وحينئذ يتأوَّلان على معنى ذوي قيام وقعود، ولا حاجةَ إلى هذا. قوله: { وَيَتَفَكَّرُونَ } فيه وجهان، أظهرُها: أنها عطف على الصلةِ فلا محلَّ لها. والثاني: أنها في محلِّ نصب على الحال عطفاً على " قياماً " أي: يذكرونه متفكرين. فإنْ قيل: هذا مضارعٌ مثبت فكيف دخلت عليه الواوُ؟ فالجوابُ أن هذه واوُ العطف، والممنوعُ إنما هو واو الحال. و " خَلْق " فيه وجهان، أحدُهما: أنه مصدرٌ على أصله أي: يتفكرون في صنعة هذه المخلوقات العجيبة، ويكون مصدراً مضافاً لمفعوله. والثاني: أنه بمعنى المفعول أي: في مخلوق السماوات والأرض، وتكون إضافتُه في المعنى إلى الظرف أي: يتفكرون فيما أودع الله هذين الظرفين من الكواكب وغيرِها. وقال أبو البقاء: " وأن يكون بمعنى المخلوق؛ ويكون من إضافةِ الشيءِ إلى ما هو في المعنى " وهذا كلامٌ متهافتٌ إذ لا يُضاف الشيءُ إلى نفسِه، وما أَوْهم ذلك يُؤَوَّل. قوله: " ربَّنا " هذه الجملة في محلِّ نصب بقول محذوف تقديره: يقولون. والجملةُ القولية فيها وجهان، أظهرهما: أنها حال من فاعل " يتفكرون " أي: يتفكرون قائلين: ربنا، وإذا أعربنا " يتفكرون " حالاً كما تقدم فتكونُ الحالان متداخلتين. والوجه الثاني: أنها في محلِّ رفعٍ خبراً لـ " الذين " على قولِنا بأنه مبتدأ، كما تقدَّم نَقْلُه عن أبي البقاء. و " هذا " في قوله: { مَا خَلَقْتَ هَذا } إشارةٌ إلى الخَلْق إن أريد به المخلوق. وأجاز أبو البقاء حالَ الإِشارة إليه بـ " هذا " أن يكون مصدراً على حالِه لا بمعنى المخلوق. وفيه نظرٌ، أو إلى السماوات والأرض، وإنْ كانا شيئين كلٌّ منهما جَمْعٌ، لأنهما بتأويل: هذا المخلوق العجيب، أو لأنهما في معنى الجمع فأُشير إليهما كما يشار إلى لفظ الجمع.