الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ ٱلَّذِينَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ رَبَّنَآ مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ }

{ ٱلَّذِينَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ } ان الله سبحانه لما خلق ارواح اهل المعارف اوجدها على كشف جماله فوقعت كينونة الارواح على سواطع نور المشاهدة فباشرت انوارها صميم الارواح فعشقت بالله جماله وجلاله فلما اشترت بالاشباح بقى الذكر والعشق والمحبة معها عوض المشاهدة ففى كل نفس لا يخلوا عن ذكر معاهد الاول ومشاهدة القديم بنعت الشوق والمحبة والعشق وذلك بغير اختيارها ذاكرة للمذكور متفكره للغيبة والحضور شائقة عاشقة بنعت الهيجان والهيمان على جميع الاحوال مجذوبة بسلسلة الوصلة الى جمال القدم مستغرقة فى بحار المواجيد وانوار الكواشف لاجل ذلك وصفها الله بدوام الذكر والفكر على نعت التسرمد واخبرعلى قدر عقول الخلق عن احوالهم بلفظ الذكر والفكر وذلك نعت قلوبهم وعقولهم وابدانهم واخفى شهود ارواحهم مشاهد القدس والانس لطفا وابقاء ومحبة وغيرة بقوله الذين يذكرون الله قياما وقعوداً وعلى جنوبهم قيامهم مقرون بذكر العظمة والكبرياء وقعودهم مقرون بذكر الجمال وحسن الافضال واضطجاعهم مقرون بذكر البسط والانبساط والرفاهية فى الشوق والمحبة فذكرهم على قدر كشوف الصفات فشكف العظمة هيجهم الى ذكر الفناء الى التوحيد وكشف الكبرياء هيجهم الى ذكر الاضمحلال فى التواضع والتفريد وكشف البهاء هيجهم الى ذكر الخمود فى الشهود وكشف القدرة هيجهم الى ذكر العجز فى العبودية عن ادراك الربوبية وكشف الجمال هيجهم الى الغيبة فى ذكر الاباد وعلى ذلك كل صفة لها تجلى ولذلك التجلى مباشرة فى قلوب الذاكرين ولكل ذكر له عمل فى المقامات وله حقيقة وجد فى الحالات ذكر الرضا من رضى الحق والتوكل من حب الله وذكر القهر من جبروت الله وذكر الافضال من ملكوت الله وذكر الالاء من ملك الله وعلى قدر ظهور الصفات لهم تسرمد الذكر الذى وافق الكشف من الاسماء والصفات والنعوت والذات سبحان من خص الاولياء بكشوف صفاته سبق ذكره لهم بهذه الفضائل والقربات قبل ذكرهم اياه الى الازل فذكره جعلهم ذاكرين ورحمة جعلتهم متفكرين فى جلاله وعظمته ومن عاش منهم عن حقيقة القدم صار متصفا بعد الذكر بصفة المذكور وخرج من مقام الذكر لغيبته عن الذكر فى رؤية الازل والابد فعند ذلك الذاكر والذكر والمذكور فى باب الاتحاد واحد فى شرط الفردانية الموحد الذاكر يفنى ويبقى الموحد لا غير كما لم يزل فى الازل قال يذكرون الله قياما فى مشاهدات الربوبية وقعوداً فى اقامة الخدمة وعلى جنوبهم فى رؤية الزلف وقال الواسطى كل ذاكر على قدر مطالعة قلبه بذكره فمن طالع ملك الجلال ذكره بذلك ومن طالع ملك رحمته ذكره بذلك ومن طالع ملك معرفته ذكره على ذلك ومن طالع ملك سخطه وغضبه كان ذكره اهيب ومن طالع المذكور اغلق عليه باب الذكر وقال النصرابادى الذين يذكرون الله قياما بقيوميته افمن هو قائم على كل نفس وقعود بمجالسة انا جليس من ذكرنى وعلى جنوبهم على اشارة ياحسرتى على ما فرطت فى جنب الله قال بعضهم الذين يذكرون الله قياما يذكرونه قائمون باتباع اوامره وقعوداً اى قعودا عن زواجره ونواهيه وعلى جنوبهم اى وعلى اجتنابهم مطالعات المخالفات بحال قوله تعالى { وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } التفكر فى خلق السموات والارض على معنيين الاول طلب غيب القلوب فى الغيوب التى هى كنوز انوار الصفات التي تبرز منها مقادير الخلق يتفكرون فى محض الربوبية وارادتهم ادراك انوار القدرة التى تبلغ الشاهد الى المشهود بحقيقة رؤية الوصف والثانى جولان القلوب بنعت التفكر فى ابداع الملك فى الملك طلب مشاهدة المالك في الملك الاول منزل التوحيد والاخر منزل الجمع قال بعضهم هو رؤية الله قبل التفكر فى الاشياء وواسطة التفكر ان ترى الاشياء قائمة بالله وفساد التفكر ان ترى الاشياء فيستدل بها على الله وقبل ذلك بالتفكر فى صفات الحق لا فى المحدثات ولو كان ذلك على المحدثات لقال ويتفكرون فى السمٰوات قوله تعالى { رَبَّنَآ مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً } تطرقوا من مقام الذكر الى مقام التفكر فى خلق الكون استرواحا من الاحتراق بنور الذكر بمروحة صفاء الفعل لكى لا يفنوا فى مشاهدة المذكور وذلك غلبة المريدين فى طلب الرفاهية وركوب الرخص الا ترى كيف احتجبوا بالفعل عن الفاعل وأيضاً لما استحلوا رؤية الفاعل فى العقل ووجدوا حكم الانانية بنعت التجلى فى مرأة الفعل قالوا ما خلقت هذا باطلا ارادوا وجود الكون مرأة التجلى المكون فى مقام التفكر بعد ارادتهم زواله في صفاء الذكر غيرة على الغير وذلك قولهم ربنا ما خلقت وعلة ذلك ان الله سبحانه عرف مكان ضعف الخلق عن حمل مشاهدته صرفا فاظهر الكون ليتطرقوا بالوسيلة اليه كيلا يحترقوا فى اول بوادى ظهور العظمة وسطوات الكبرياء رحمة وشفقة قال فارس الحكمة فى اظهار الكون اظهار حقائق حكمته بالفعل الحكيمى قال الخواص امرهم بالتفكر فى خلق السموات والارض ثم قطعهم عن ذلك بقوله ربنا ما خلقت هذا باطلا دلهم عليها ثم حثهم على الرجوع اليه لكيلا يقفوا معها وينقطعوا من مشاهدته والاقبال عليه, قوله تعالى { سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ } لما نزل القوم من مقام الذكر الخالص بغير الوسائط الى مقام التفكر فى الافعال والايات ووقعوا فى رؤية الخلق ادركوا ما فاتهم من خوالص الذكر بقوله سبحانك اى انت منزه عن كل ذكر وفكر وكل خاطر واشارة وعبارة وانت اعظم من ان يدركك احد بوسيلة الكون حيث لم يدركك بكل ذكر خالص ولا يدركك الا بك كل عارف سبحانك عما وصفناك بلسان الحدث انت كما اثنيت على نفسك بقولك سبحان الله عما يصفون وقنا عذاب النار اى عن طلبنا بنا لا بك وعذاب النار عذاب البعد وذلك نيران الفراق وهو احرق من نار الظاهر قال النصرابادى سبحانك اى نزهت نفسك فى نفسك بمعناك بما لاق منك بك لك.