{ فَٱسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي } أي: بأني { لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنْكُمْ مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ } بيان لـ (عامل) وتأكيد لعمومه { بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ } أي: الذكر من الأنثى والأنثى من الذكر , كلكم بنو آدم، وهذه جملة معترضة مبينة سبب شركة النساء مع الرجال، فيما وعد الله عباده العاملين. وروى الحافظ سعيد بن منصور في سننه عن أم سلمة أنها قالت: يا رسول الله لا أسمع الله ذكر النساء في الهجرة بشيء، فأنزل الله تعالى: { فَٱسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ... } الآية - وقالت الأنصار: هي أول ظعينة قدمت علينا - ورواه الترمذيّ، والحاكم في (مستدركه) وقال: صحيح على شرط البخاريّ، ولم يخرجاه. وروى ابن مردويه عن مجاهد عن أم سلمة قالت: آخر آية نزلت: { فَٱسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ... } إلى آخرها. وعن جعفر الصادق رضي الله عنه: من حزَبَهُ أمر فقال: خمس مرات " رَبَّنَا " أنجاه الله مما يخاف، وأعطاه ما أراد. وقرأ الآيات. { فَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ } مبتدأ، وهو تفصيل لعمل العامل منهم على سبيل التعظيم له والتفخيم, كأنه قال: فالذين عملوا هذه الأعمال السنية وهي المهاجرة عن أوطانهم فارّين إلى الله بدينهم من دار الفتنة { وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَـٰرِهِمْ } أي: التي ولدوا فيها ونشؤوا { وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي } أي: من أجله وبسببه, يريد سبيل الإيمان بالله وحده, وهو متناول لكل أذى نالهم من المشركين { وَقَـٰتَلُواْ وَقُتِلُواْ } أي: غزوا المشركين واستُشهدوا { لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ } جملة قسمية, خبر المبتدأ الذي هو الموصول, وهذا تصريح بوعد ما سأله الداعون بخصوصه, بعد ما وعد ذلك عموماً { وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّـٰتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ } أي: من تحت قصورها الأنهار, من أنواع المشارب من لبن وعسل وخمر وماء غير آسن وغير ذلك مما لا عين رأت ولا أذن سمعت, ولا خطر على قلب بشر { ثَوَاباً مِّن عِندِ ٱللَّهِ } في موضع المصدر المؤكد لما قبله, فإن تكفير السيئات وإدخال الجنة, في معنى الإثابة، وأضافه إليه تعالى ليدل على أنه عظيم؛ لأن العظيم الكريم لا يعطي إلا جزيلاً كثيراً. كما قيل:
إن يعاقِبْ يكن غراماً وإن يعـ
طِ جزيلاً فإنه لا يبالي
{ وَٱللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ ٱلثَّوَابِ } أي: حسن الجزاء لمن عمل صالحاً. ثم بين تعالى قبح ما أوتي الكفرة من حظوظ الدنيا, وكشف عن حقارة شأنها وسوء مغبتها, إثْرَ بيان حسن ما أوتي المؤمنون من الثواب, بقوله: { لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ... }.