الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَنْفِقُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى ٱلتَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ }

المعنى:

أمر الله تعالى جميع المكلفين المتمكنين من الانفاق في سبيل الله: أن ينفقوا في سبيله، وسبيل الله: هو كل طريق شرعه الله تعالى لعباده، ويدخل فيه الجهاد، والحج، وعمارة القناطر، والمساجد، ومعاونة المساكين، والأيتام، وغير ذلك، والانفاق: هو إخراج الشيء عن ملك مالكه إلى ملك غيره، لأنه لو أخرجه الى هلاك لم يسم إنفاقاً.

وقوله تعالى: { ولا تلقوا بأيديكم الى التهلكة } معناه لا تطرحوا أنفسكم في الهلاك، بأن تفعلوا ما يؤدي إليه. وحقيقة الالقاء تصير الشيء الى جهه السفل. وإنما يقال: ألقى عليه مسألة مجازاً، كما يقال: طرح عليه مسألة.

الاعراب:

والباء في قول بأيديكم يحتمل وجهين: أحدهما - أن تكون زائدة كقولك تعلقت زيداً، وتعلقت بزيد وجذبت الثوب، وجذبت بالثوب، وعلمته، وعلمت به.

قال الشاعر:
ولقد ملأت على نصيب جلده   بمساءة إن الصديق يعاتب
والمراد ملأت جلده مساءة. والثاني - أن يكون على أصل الكلام من وجهين:

أحدهما - أن كل فعل متعد إذا كني عنه أو قدر على المصدر دخلته الباء، كقولك ضربته ثم تكني عنه فتقول فعلت به. والآخر أن تقول: أوقعت الضرب به فجاء على أصل الأفعال المتعدية.

والوجه الاخر: أنه لما كان معناه: لاتهلكوا أنفسكم بايديكم، فدخلت الباء ليدّل على هذا المعنى، وهو خلاف أهلك نفسه بيد غيره.

المعنى:

وقيل في معنى الآية وجوه: أحدها - قال الحسن، وقتادة، ومجاهد، والضحاك، وهو المروى عن حذيفة، وابن عباس: إن معناها { لا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة } بالامتناع من الانفاق في سبيل الله. الثاني - ما روي عن البراء ابن عازب، وعبيدة السلماني: لا تركبوا المعاصي باليأس من المغفرة. الثالث - ما قال البلخي، من أن معناها: لا تتقحموا الحرب من غير نكاية في العدّو، ولا قدرة على دفاعهم. والرابع - ما قاله الجبائي لا تسرفوا في الانفاق الذي يأتي على النفس. والأولى حمل الآية على عمومها في جميع ذلك.

اللغة:

والتهلكة، والهلاك واحد. وقيل: التهلكة: ما أهلكهم الله عنده. وأصل الهلاك الضياع، وهو مصدر ضاع الشيء بحيث لا يدري أين هو، ومنه يقال للكافر: هالك، وللميت: هالك، وللمعذب: هالك. والهلوك: المهواة البعيدة، لأن الذي يهوي فيها هالك. والهلوك: الفاجرة. والهلوك: المتحيرة، تشبيهاً بالهلوك: الفاجرة التي تمايل في مشيتها، تقول: هلك يهلك هلكا، وهلاكا، وأهلكه إهلاكا، وتهالك تهالكا, واهتلك اهتلاكا: إذا ألقى نفسه في المهالك. واستهلكه استهلاكا، وانهلك انهلاكا. إذا حمل نفسه على الأمر الصعب. والهالكي: الحداد. وأصل ذلك أن بني الهالك بن عمر، كانوا قيونا، فسمي بذلك كل قين: هالكياً. والتهلكة: كلما كان عاقبته الى الهلاك. والهالك: الفقير الذي بمضيعة.

السابقالتالي
2