الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ فَٱسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنْكُمْ مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَـٰرِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَـٰتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّـٰتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ ثَوَاباً مِّن عِندِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ ٱلثَّوَابِ }

{ فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّى لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنْكُمْ مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى } وروى عنه أنه قيل له كيف ذلك؟ فقال اقرءواالذين يذكرون الله قياماً وقعوداً } إلى قولهإنك لا تخلف الميعاد } أى أعطاهم مسئولهم بسبب دعائهم، كما دلت عليه الفاء، ومعنى استجاب حصل المطلوب، ومعنى أجاب أعطى الجواب بلا أو بنعم، فهو أعم من استجاب، و { أنى } على تقدير الباء، أى فاستجاب لهم ربهم بأنى لا أضيع وقرئ بكسر الهمزة على تقدير القول، أى فاستجاب لهم ربهم قائلا إنى لا أضيع، أو على تضمين استجاب معنى قال، فتحكى الجملة باستجاب وقرئ لا أضيع بفتح الضاد وكسر الياء المشددة، والمعنى لا أحبط عمل عامل منكم، أى عامل كان إذ عمل لى ذكراً كان أو أنثى، وقالت أم سلمة رضى الله عنها قالت يا رسول الله إنى أسمع الله يذكر الرجال فى الهجرة ولا يذكر النساء ". فنزل قوله تعالى { بَعْضُكُم مِّنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِى سَبِيلِى وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَاباً مِّنْ عِنْدِ اللَّهِ } مقتضى الظاهر من عندى فعدل عنه إلى الغيبة. { وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ } وقرئ أى لا أضيع - بكسر همزه إن - كما مر - أما على الاستئناف فيكون أول ما نزل فى شأن مقال أم سلمة المذكور، وآخره حسن المآدب وأما على تقدير القول، أى قائلا إنى لا أضيع، فيكون أول ما نزل فى شأن مقالها، بعضكم من بعض، ومعنى { بَعْضُكُم مِّن بَعْض } أن الذكر مأخوذاً وثابت من الأنثى، والأنثى مأخوذة أو ثابتة من الذكر، وهذه الجملة معترضة بين { أَنِّى لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ } بكسر { إن } على الاستئناف، وبين { فَالَّذِينَ هَاجَرُوا } إذ كانا كلاهما فى شأن مقالها، أو بين عمل عامل وما فصل به عمل العامل من قوله { فَالَّذِينَ هَاجَرُوا } ولو فتحت همزة إن، وقيل معنى { بعضكم من بعض } أنكم من أصل واحد وهو آدم، أو هو بمعنى الكاف، أى بعضكم كبعض، يقال فلان منى، أى مثلى فى سيرية، يبالغ فى التشبيه لشدة الاتصال، أو للاجتماع حتى كأنه بعضه وما صدق هذه الأقوال المساواة بين الذكر والأنثى فى الإثابة على العمل والتناصر فى الدين. " قالت عائشة للنبى صلى الله عليه وسلم هل على النساء جهاد؟ قال " نعم. جهاد لا قتل فيه الحج والعمرة ". و { الذين } مبتدأ خبره القسم المحذوف، وجوابه المذكور بقوله تعالى { لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُم } مانع الإخبار بالإنشاء يقدر القول، أى مقول فيهم، أو أقول فيهم والله لأكفرن، والقول خبر، والظاهر أن التشائية القسم لا تمنع الخبر لأن محط القسم جوابه وهو إخبار والقسم قبله، كفضلة مؤكدة والمعنى هاجروا الشرك أو الأوطان والعشائر بالخروج إلى المدينة أو إلى الحبشة ثم إلى المدينة، لما استقر صلى الله عليه وسلم فيها حرصاً على دين الله لئلا يفوتهم بالشرك، أو بلزوم الوطن والعشيرة، وأخرجوا معى من ديارهم أخرجهم المشركون، والإخراج قسمان الأول أن يضيق على الإنسان بمنع من يكلمه أو يجالسه أو ينفعه أو يقصد بالضرب والقتل، أو أكل المال ونحو ذلك فيخرج، والثانى أن يقهر على الخروج، ومعنى { وَأُوذُواْ فِى سَبِيلِى } ضرهم المشركون فى دينى، أو لأجل دينى، أى لإسلامهم.

السابقالتالي
2