قوله: { إِنَّ وَلِيِّـيَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي نَزَّلَ ٱلْكِتَابَ } ، إلى قوله: { عَنِ ٱلْجَاهِلِينَ }. قرأ الجَحْدَري: " إِنَّ وَلِيَّ اللهِ " ، بياء مفتوحة شديدة، وخفض الاسم. يعني به جبريل، عليه السلام. ومعنى الآية على قراءة الجماعة: قل، يا محمد، لعبدة الأوثان، { إِنَّ وَلِيِّـيَ ٱللَّهُ } ، أي: (إنَّ) نصيري عليكم، { ٱللَّهُ ٱلَّذِي نَزَّلَ ٱلْكِتَابَ } عَلَيَّ بِالحَقَّ، { وَهُوَ يَتَوَلَّى ٱلصَّالِحِينَ } ، أي: يَنْصُرُهُمْ عَلَى مَنْ عَادَاهُمْ فِيهِ. ثم قال: { وَٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ / لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ }. [أي: وقل لهم بعد إخبارك أن الله، تعالى، ينصرك: والذين تدعون من دون الله، لا يستطيعون نصركم] كما نصرني الله، ولا يستطيعون نصر أنفسهم. فأي هذين أولى بالعبادة؟ من نَصَرَ نَفْسَهُ، وَنَصَرَ مَنْ عَبَدَهُ، أو من لا يستطيع نصر نفسه ولا نصر من عبده؟ ثم قال تعالى: { وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى ٱلْهُدَىٰ لاَ يَسْمَعُواْ }. أي: وإن تدعوا، أيُّها المشركون، آلهتكم { إِلَى ٱلْهُدَىٰ لاَ يَسْمَعُواْ } دعاءكم. { وَتَرَٰهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ } ، يعني: آلهتكم، { وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ } ، يعني: الآلهة. { وَتَرَٰهُمْ } في هذا بمعنى: الظن والحِسْبَان، لا من النَّظَر. وقد تَأوَّلهُ بمعنى: " النَّظَرِ " المُعْتَزِلَةُ، وغَلِطُوا فيه. وقال السدي: يعني بذلك المشركين، لا يسمعون الهدى، { يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ } ما تدعوهم إليه. وقيل معنى: { يَنظُرُونَ إِلَيْكَ } هنا: يُوَاجِهُونَك ولا يَرَوْنَكَ. وحكى الكسائي: " الحَائِطُ يَنْظُرَ إِلَيْكَ ". أي: يواجهك، إذا كان قريباً منك. وحكى: " دَارِي تَنْظُرُ إِلَى دَارِ فُلاَنَ " ، أي تواجه وتحاذي وتقابل. ودَلَّ قوله { وَتَرَٰهُمْ } على أن المراد المُشْرِكُونَ، إذ لو كان للآلهة لقال: " وتراها ". وقيل: هي للآلهة؛ لأنها مثل بني آدم في صورها التي مَثَّلُوها؛ ولأنهم يعظمونها ويخاطبونها بمخاطبة من يعقل، فَخُوطِبُوا هُمْ كَذَلِكَ. فمن جعله للمشركين، كان " ترى " على بابه، من رؤية العين. ثم قال تعالى: { خُذِ ٱلْعَفْوَ وَأْمُرْ بِٱلْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْجَاهِلِينَ }. قال بعض أهل المعاني: في هذه الآية بيان قول النبي، صلى الله عليه وسلم: " أُوتيتُ جَوَامِعَ الكَلاَمِ ". فهذه الآية قد جمعت معاني كثيرة، وفوائد عظيمة، وجمعت كل خُلُقٍ حسن؛ لأن في " أخذ العفو ": صلة القاطعين، والصفح عن الظالمين، وإعطاء المانعين. وفي " الأمر بالمعروف ": تقوى الله (عز وجل)، وطاعته، (جلت عظمته)، وصلة الرحم، وصون اللسان عن الكذب، وغض الطرف عن الحُرُمات. وسُمِّيَ ذلك وَنَحْوَهُ " عُرْفاً "؛ لأن كل نفس تعرفه وتركن إليه. وفي " الإعراض عن الجاهلين ": الصبر، والحلم، وتنزيه النفس عن مخالطة السفيه، ومنازعة اللَّجُوج، وغير ذلك من الأفعال المَرْضَيَّةِ. وقال أهل التفسير في قوله { خُذِ ٱلْعَفْوَ } ، أي: خذ فضل أموالهم، وهو حق في المال نَسَخَتْهُ الزَّكَاةُ.