الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَٰبِ لَمَن يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْهِمْ خَٰشِعِينَ للَّهِ لاَ يَشْتَرُونَ بِآيَـٰتِ ٱللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلـٰئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ }

قال جابرٌ، وابنُ عبّاسٍ، وقتادةُ، وأنسٌ: " نزلت في النجاشي - ملك الحبشة - واسمه أصْحَمة، وهو - بالعربية - عطية، وذلك أنه لما مات نعاه جبريلُ - عليه السّلام - لرسول الله صلى الله عليه وسلم في اليوم الذي مات فيه، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: اخرجوا، فصلُّوا على أخ لكم مات بِغَيْر أرْضِكم، فقالوا: مَنْ هو؟ قال النجاشيُّ، فخرج إلى البقيع، وكُشِفَ له إلى أرض الحبشةِ، فأبصر سريرَ النجاشي، وصَلَّى عليه أربعَ تكبيراتٍ، واستغفر له، فقال المنافقون: انظروا إلى هذا يُصلي على عِلجٍ حبشيٍّ، نصرانيٍّ، لم يَرَه قطّ، وليس على دينه. " فأنزل اللَّه هذه الآية.

قال عطاءٌ: نزلت في أربعينَ رجلاً من أهل نجرانَ، واثنينَ وثلاثينَ من الحبشة، وثمانيةٍ من الرُّوم، كانوا على دينِ عيسى فآمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم.

قال ابن جُرَيْحٍ: نزلت في عبد اللَّهِ بن سلام وأصحابه. وقال مُجَاهدٌ: نزلتْ في مؤمني أهل الكتاب كُلِّهم.

قوله: { لَمَن يُؤْمِنُ } اللام لام الابتداء، دخلت على اسم " إنَّ " لتأخُّرهِ عنها، و " مِنْ أهْلِ " خبرٌ مقدَّمٌ و " من " يجوز أن تكونَ موصولةً - وهو الأظهر - وموصوفة، أي: لـ " قوماً " ، و " يؤمن " صلة - على الأول - فلا محلَّ له، وصفة - على الثاني - فمحله النصب، وأتى - هنا - بالصِّلة مستقبلة - وإن كان ذلك قد مضى - دلالة على الاستمرار والديمومة.

والمعنى: إن من أهْلِ الكتابِ مَنْ يُؤمِن باللَّهِ وما أنْزِل إليكم، وهو القرآنُ، وما أنْزِلَ إلَيْهَم، وهو التوراة والإنجيل.

قوله: { خَاشِعِينَ } فيه أربعةُ أوجهٍ:

أحدها: أنه حالٌ من الضمير في " يؤمن " وجَمَعَه، حَمْلاً على معنى " مَنْ " كما جمع في قوله: " إلَيْهِمْ " وبدأ بالحمل على اللفظ في " يُؤْمِن " ثم بالحَمْلِ على المعنى؛ لأنه الأولى.

ثانيها: أنه حال من الضمير في " إلَيْهِمْ " فالعامل فيه " أنْزِلَ ".

ثالثها: أنه حال من الضمير في " يَشْتَرُون " وتقديم ما في حيِّز " لا " عليها جائز على الصحيح وتقدم شيء من ذلك في الفاتحة.

رابعها: أنه صفة لـِ " من " إذا قيل بأنها نكرة موصوفة. وأما الأوجه الثلاثة السابقة فجائزة، سواء كانت موصولةٌ، أو نكرة موصوفة.

قوله: " للَّهِ " فيه وجهان:

أحدهما: أنه متعلق بـ " خَاشِعِينَ " أي: لأجل الله.

ثانيهما: أنه متعلق بـ " لاَ يَشْتَرُونَ " ذكره أبو البقاء، قال: " وهو في نية التأخير، أي: لا يشترون بآيات الله ثمناً قليلاً لأجل الله ".

السابقالتالي
2