الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ } * { وَرَأَيْتَ ٱلنَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ ٱللَّهِ أَفْوَاجاً } * { فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَٱسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً }

النصر العون، مأخوذ من قولهم قد نصر الغيث الأرض إذا أعان على نباتها، ومنع من قحطها، ومنه قول الشاعر
إذا انصرف الشهر الحرام فودّعي بلاد تميم وانصري أرض عامر   
يقال نصره على عدوّه ينصره نصراً إذا أعانه. والاسم النصرة. واستنصره على عدوّه إذا سأله أن ينصره عليه. قال الواحدي قال المفسرون { إِذَا جَاء } ك يا محمد { نَصْرُ ٱللَّهِ } على من عاداك، وهم قريش { وَٱلْفَتْحُ } فتح مكة. وقيل المراد نصره صلى الله عليه وسلم على قريش من غير تعيين. وقيل نصره على من قاتله من الكفار. وقيل هو فتح سائر البلاد. وقيل هو ما فتحه الله عليه من العلوم، وعبر عن حصول النصر، والفتح بالمجيء للإيذان بأنهما متوجهان إليه صلى الله عليه وسلم. وقيل " إذا " بمعنى قد. وقيل بمعنى " إذ ". قال الرازي الفرق بين النصر والفتح أن الفتح هو تحصيل المطلوب الذي كان منغلقاً، والنصر كالسبب للفتح، فلهذا بدأ بذكر النصر، وعطف عليه الفتح. أو يقال النصر كمال الدين، والفتح إقبال الدنيا الذي هو تمام النعمة. أو يقال النصر الظفر، والفتح الجنة، هذا معنى كلامه. ويقال الأمر أوضح من هذا وأظهر، فإن النصر هو التأييد الذي يكون به قهر الأعداء وغلبهم، والاستعلاء عليهم، والفتح هو فتح مساكن الأعداء، ودخول منازلهم. { وَرَأَيْتَ ٱلنَّاسَ يَدْخُلُونَ فِى دِينِ ٱللَّهِ أَفْوٰجاً } أي أبصرت الناس من العرب، وغيرهم يدخلون في دين الله الذي بعثك به جماعات فوجاً بعد فوج. قال الحسن لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة قال العرب أما إذ ظفر محمد بأهل الحرم، وقد أجارهم الله من أصحاب الفيل، فليس لكم به يدان، فكانوا يدخلون في دين الله أفواجاً، أي جماعات كثيرة بعد أن كانوا يدخلون واحداً واحداً، واثنين اثنين، فصارت القبيلة تدخل بأسرها في الإسلام. قال عكرمة، ومقاتل أراد بالناس أهل اليمن، وذلك أنه ورد من اليمن سبعمائة إنسان مؤمنين. وانتصاب { أفواجاً } على الحال من فاعل يدخلون، ومحل قوله يدخلون في دين الله النصب على الحال إن كانت الرؤية بصرية، وإن كانت بمعنى العلم، فهو في محل نصب عى أنه المفعول الثاني. { فَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ } هذا جواب الشرط، وهو العامل فيه، والتقدير فسبح بحمد ربك إذا جاء نصر الله. وقال مكي العامل في " إذا " هو { جاء }. ورجحه أبو حيان، وضعف الأوّل بأن ما جاء بعد فاء الجواب لا يعمل فيما قبلها، وقوله { بِحَمْدِ رَبّكَ } في محل نصب على الحال، أي فقل سبحان الله ملتبساً بحمده، أو حامداً له. وفيه الجمع بين تسبيح الله المؤذن بالتعجب مما يسره الله له مما لم يكن يخطر بباله ولا بال أحد من الناس، وبين الحمد له على جميل صنعه له، وعظيم منته عليه بهذه النعمة التي هي النصر، والفتح لأمّ القرى التي كان أهلها قد بلغوا في عداوته إلى أعلى المبالغ حتى أخرجوه منها بعد أن افتروا عليه من الأقوال الباطلة، والأكاذيب المختلفة ما هو معروف من قولهم هو مجنون، هو ساحر، هو شاعر، هو كاهن.

السابقالتالي
2 3