الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشاف/ الزمخشري (ت 538 هـ) مصنف و مدقق


{ ذَلِكَ ٱلْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ }

فإن قلت لم صحت الإشارة بذلك إلى ما ليس ببعيد؟ قلت وقعت الإشارة إلى الم بعد ما سبق التكلم به وتقضى، والمقضى في حكم المتباعد، وهذا في كل كلام. يحدّث الرجل بحديث ثم يقول وذلك ما لا شك فيه. ويحسب الحاسب ثم يقول فذلك كذا وكذا. وقال الله تعالىلاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذٰلِكَ } البقرة 68. وقالذٰلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِى رَبّى } يوسف 37، ولأنه لما وصل من المرسل إلى المرسل إليه، وقع في حد البعد، كما تقول لصاحبك وقد أعطيته شيئاً احتفظ بذلك. وقيل معناه ذلك الكتاب الذي وعدوا به. فإن قلت لم ذكر اسم الإشارة ـــ والمشار إليه مؤنث وهو السورة ـــ؟ قلت لا أخلو من أن أجعل الكتاب خبره أو صفته. فإن جعلته خبره، كان ذلك في معناه ومسماه مسماه، فجاز إجراء حكمه عليه في التذكير، كما أجرى عليه في التأنيث في قولهم من كانت أمّك. وإن جعلته صفته، فإنما أشير به إلى الكتاب صريحاً لأنّ اسم الإشارة مشار به إلى الجنس الواقع صفة له. تقول هند ذلك الإنسان، أو ذلك الشخص فعل كذا. وقال الذبياني
نُبِّئْتُ نُعْمَى على الهِجْرَانِ عاتِبةً سُقْيَا ورُعْيَا لِذَاكَ العاتِبِ الزَّارِي   
فإن قلت أخبرني عن تأليف { ذٰلِكَ ٱلْكِتَابُ } مع { الم }. قلت إن جعلت { الۤمۤ } اسماً للسورة ففي التأليف وجوه أن يكون { الۤمۤ } مبتدأ، و { ذٰلِكَ }. مبتدأ ثانياً، و { ٱلْكِتَـٰبِ } خبره، والجملة خبر المبتدأ الأوّل. ومعناه أنّ ذلك الكتاب هو الكتاب الكامل، كأن ما عداه من الكتب في مقابلته ناقص، وأنه الذي يستأهل أن يسمى كتاباً، كما تقول هو الرجل، أي الكامل في الرجولية، الجامع لما يكون في الرجال من مرضيات الخصال. وكما قال
هُمُ الْقَوْمُ كلُّ الْقَوْمِ يا أُمَّ خَالِدِ   
وأن يكون الكتاب صفة. ومعناه هو ذلك الكتاب الموعود، وأن يكون { الۤمۤ } خبر مبتدأ محذوف، أي هذه الۤمۤ، ويكون ذلك خبراً ثانياً أو بدلاً، على أن الكتاب صفة، وأن يكون هذه الۤمۤ جملة، وذلك الكتاب جملة أخرى. وإن جعلت الۤمۤ بمنزلة الصوت، كان ذلك مبتدأ خبره الكتاب، أي ذلك الكتاب المنزل هو الكتاب الكامل. أو الكتاب صفة والخبر ما بعده، أو قدّر مبتدأ محذوف، أي هو ـــ يعني المؤلف من هذه الحروف ـــ ذلك الكتاب. وقرأ عبد الله { آلم، تَنزِيلُ ٱلْكِتَـٰبِ لاَ رَيْبَ فِيهِ }. وتأليف هذا ظاهر. والريب مصدر رابني، إذا حصل فيك الريبة. وحقيقة الريبة قلق النفس واضطرابها. ومنه ما روى الحسن بن علي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول 10 " دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، فإن الشك ريبة، وإنّ الصدق طمأنينة "

السابقالتالي
2 3