الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ ذَلِكَ ٱلْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ }

الإشارة بقوله { ذلك } إلى الكتاب المذكور بعده.قال ابن جرير قال ابن عباس { ذلك الكتاب } هذا الكتاب وبه قال مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير والسدي ومقاتل وزيد بن أسلم وابن جريج، وحكاه البخاري عن أبي عبيدة. والعرب قد تستعمل الإشارة إلى البعيد الغائب مكان الإشارة إلى القريب الحاضر كما قال خفاف
أقول له والرمحُ يأطر مَتنهُ تأمل خِفافاً أنني أنا ذلِكا   
أي أنا هذا، ومنه قوله تعالىذٰلِكَ عَالِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَـٰدَةِ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ } السجدة 6وَتِلْكَ حُجَّتُنَآ آتَيْنَاهَآ إِبْرَاهِيمَ عَلَىٰ قَوْمِهِ } الأنعام 83 ــتِلْكَ آيَـٰتُ ٱللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ } البقرة 252، وآل عمران 108، والجاثية 6ذَلِكُمْ حُكْمُ ٱللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ } الممتحنة 10 وقيل إن الإشارة إلى غائب، واختلف في ذلك الغائب، فقيل هو الكتاب الذي كتب على الخلائق بالسعادة والشقاوة، والأجل والرزق { لاَ رَيْبَ فِيهِ } أي لا مبدل له، وقيل ذلك الكتاب الذي كتبه الله على نفسه في الأزل أن رحمته سبقت غضبه، كما في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لما قضى الله الخلق كتب في كتاب على نفسه، فهو موضوع عنده إن رحمتي تغلب غضبي " وفي رواية «سبقت». وقيل الإشارة إلى ما قد نزل بمكة، وقيل إلى ما في التوراة والإنجيل، وقيل إشارة إلى قوله قبله { آلم } ، ورجحه الزمخشري، وقد وقع الاختلاف في ذلك إلى تمام عشرة أقوال حسبما حكاه القرطبي وأرجحها ما صدَّرناه، واسم الإشارة مبتدأ، و { الكتاب } صفته، والخبر { لا ريب فيه } ، ومن جوّز الابتداء بـ { آلم } جعل { ذلك } مبتدأ ثانياً، وخبره { الكتاب } أو هو صفته، والخبر { لا ريب فيه } ، والجملة خبر المبتدأ. ويجوز أن يكون المبتدأ مقدّراً، وخبره { آلم } ، وما بعده. والريب مصدر، وهو قلق النفس واضطرابها، وقيل إن الريب الشك. قال ابن أبي حاتم لا أعلم في هذا خلافاً. وقد يستعمل الريب في التهمة والحاجة، حكى ذلك القرطبي. ومعنى هذا النفي العام، أن الكتاب ليس بمظنة للريب لوضوح دلالته وضوحاً يقوم مقام البرهان المقتضى لكونه لا ينبغي الارتياب فيه بوجه من الوجوه، والوقف على { فيه } هو المشهور. وقد روي عن نافع وعاصم الوقف على { لاَ رَيْبَ } ، قال في الكشاف ولا بدّ للواقف من أن ينوي خبراً، ونظيره قوله تعالىقَالُواْ لاَ ضَيْرَ } الشعراء 50 وقول العرب لا بأس، وهي كثيرة في لسان أهل الحجاز، والتقدير لا ريب فيه فيه هدى. والهدى مصدر. قال الزمخشري وهو الدلالة الموصلة إلى البغية بدليل وقوع الضلال في مقابلته انتهى. ومحله الرفع على الابتداء وخبره الظرف المذكور قبله على ما سبق. قال القرطبي الهدى هديان هدى دلالة وهو الذي يقدر عليه الرسل وأتباعهم، قال الله تعالى

السابقالتالي
2