الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن طِينٍ ثُمَّ قَضَىۤ أَجَلاً وَأَجَلٌ مُّسَمًّى عِندَهُ ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ }

قوله تعالى: { هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن طِينٍ } الآية خبر، وفي معناه قولان: أحدهما ـ وهو الأشهر، وعليه من الخلق الأكثر، أن المراد آدم عليه السلام والخلق نَسْله، والفرع يضاف إلى أصله فلذلك قال: «خَلَقَكُمْ» بالجمع فأخرجه مخرج الخطاب لهم إذ كانوا ولده هذا قول الحسن وقَتَادة وٱبن أبي نَجِيح والسُّديّ والضّحاك وٱبن زيد وغيرهم. الثاني ـ أن تكون النطفة خلقها الله من طين على الحقيقة ثم قلبها حتى كان الإنسان منها ذكره النحاس. قلت: وبالجملة فلما ذكر جل وعز خلق العالم الكبير ذكر بعدهُ خلق العالم الصغير ـ وهو الإنسان، وجعل فيه ما في العالم الكبير، على ما بينّاه في «البقرة» في آية التوحيد والله أعلم والحمد لله. وقد روى أبو نعيم الحافظ في كتابه عن مُرَّة عن ٱبن مسعود أن المَلك الموكَّل بالرَّحم يأخذ النطفة فيضعها على كفه ثم يقول: يا رب مُخلّقة أو غير مخلّقة؟ فإن قال مُخلّقة قال: يا رب ما الرزق، ما الأثر، ما الأجل؟ فيقول: ٱنظر في أُمّ الكتاب، فينظر في اللوح المحفوظ فيجد فيه رزقه وأثره وأجله وعمله، ويأخذ التراب الذي يدفن في بقعته ويعجن به نطفته فذلك قوله تعالى:مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ } [طه: 55]. وخرّج عن أبي هُريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما من مولود إلا وقد ذُرَّ عليه من تُراب حُفْرته ". قلت: وعلى هذا يكون كل إنسان مخلوقاً من طين وماء مهين، كما أخبر جل وعز في سورة «المؤمنون» فتنتظم الآيات والأحاديث، ويرتفع الإشكال والتعارض، والله أعلم. وأما الإخبار عن خلق آدم عليه السلام فقد تقدّم في «البقرة» ذكره وٱشتقاقه، ونزيد هنا طرفاً من ذلك ونعته وسِنِّه ووفاته ذكر ٱبن سعد في «الطَّبقات» عن أبي هُريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الناس ولد آدم وآدم من التراب " وعن سعيد بن جُبير قال: خلق الله آدم عليه السلام من أرض يقال لها دَجْنَاء قال الحسن: وخلق جُؤْجُؤه من ضَرِيّة قال الجوهريّ: ضَرِيَّة قرية لبني كلاب على طريق البصرة وهي إلى مكة أقرب، وعن ٱبن مسعود قال: «إن الله تعالى بعث إبليس فأخذ من أَدِيم الأرض من عَذْبها وما لحها فخلق منه آدم عليه السلام فكل شيء خلقه من عَذْبها فهو صائر إلى الجنة وإن كان ٱبن كافر، وكل شيء خلقه من مالحها فهو صائر إلى النار وإن كان ٱبن تقيّ فمن ثَمّ قال إبليس:أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً } [الإسراء: 61] لأنه جاء بالطينة فسمى آدم لأنه خلق من أَدِيم الأرض. وعن عبد الله بن سَلاَم قال: خلق الله آدم في آخر يوم الجمعة.

السابقالتالي
2