الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ } * { إِيلاَفِهِمْ رِحْلَةَ ٱلشِّتَآءِ وَٱلصَّيْفِ } * { فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هَـٰذَا ٱلْبَيْتِ } * { ٱلَّذِيۤ أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ }

وقرأ الجمهور: { لإيلاف قريش } ، مصدر آلف رباعياً؛ وابن عامر: لالاف على وزن فعال، مصدر ألف ثلاثياً. يقال: ألف الرجل الأمر إلفاً وإلافاً، وآلفه غيره إياه إيلافاً، وقد يأتي ألف متعدياً لواحد كإلف، قال الشاعر:
من المؤلفات الرمل أدماء حرة   شعاع الضحى في متنها يتوضح
ولم يختلف القراء السبعة في قراءة إيلافهم مصدراً للرباعي. وروي عن أبي بكر، عن عاصم أنه قرأ بهمزتين، فيهما الثانية ساكنة، وهذا شاذ، وإن كان الأصل أبدلوا الهمزة التي هي فاء الكلمة لثقل اجتماع همزتين، ولم يبدلوا في نحو يؤلف على جهة اللزوم لزوال الاستثقال بحذف الهمزة فيه، وهذا المروي عن عاصم هو من طريق الشمني عن الأعشى عن أبي بكر. وروى محمد بن داود النقار عن عاصم: إإيلافهم بهمزتين مكسورتين بعدهما ياء ساكنة ناشئة عن حركة الهمزة الثانية لما أشبع كسرتها، والصحيح رجوع عاصم عن الهمزة الثانية، وأنه قرأ كالجماعة. وقرأ أبو جعفر فيما حكى الزمخشري: لإلف قريش؛ وقرأ فيما حكى ابن عطية الفهم. قال الشاعر:
زعمتم أن إخوتكم قريشاً   لهم إلف وليس لكم إلاف
جمع بين مصدري ألف الثلاثي. وعن أبي جعفر وابن عامر: إلا فهم على وزن فعال. وعن أبي جعفر وابن كثير: إلفهم على وزن فعل، وبذلك قرأ عكرمة. وعن أبي جعفر أيضاً: ليلاف بياء ساكنة بعد اللام اتبع، لما أبدل الثانية ياء حذف الأولى حذفاً على غير قياس. وعن عكرمة: ليألف قريش؛ وعنه أيضاً: لتألف قريش على الأمر، وعنه وعن هلال بن فتيان: بفتح لام الأمر، وأجمعوا هنا على صرف قريش، راعوا فيه معنى الحي، ويجوز منع صرفه ملحوظاً فيه معنى القبيلة للتأنيث والعلمية. قال الشاعر:
وكفـى قـريش المعضـلات وسـادهـا   
جعله اسماً للقبيلة سيبويه في نحو معد وقريش وثقيف، وكينونة هذه للإحياء أكثر، وإن جعلتها اسماً للقبائل فجائز حسن. وقرأ الجمهور: { رحلة } بكسر الراء؛ وأبو السمال: بضمها، فبالكسر مصدر، وبالضم الجهة التي يرحل إليها، والجمهور على أنهما رحلتان. فقيل: إلى الشام في التجارة ونيل الأرباح، ومنه قول الشاعر:
سفرين بينهما له ولغيره   سفر الشتاء ورحلة الأصياف
وقال ابن عباس: رحلة إلى اليمن، ورحلة إلى بصرى. وقال: يرحلون في الصيف إلى الطائف حيث الماء والظل، ويرحلون في الشتاء إلى مكة للتجارة وسائر أغراضهم. وقال الزمخشري: وأراد رحلتي الشتاء والصيف، فأفرد لأمن الإلباس، كقوله:
كلوا في بعض بطنكم تعفوا   فإن زمانكم زمن خميص
انتهى، وهذا عند سيبويه لا يجوز إلا في الضرورة، ومثله:
حمـامـة بطـن الـوادييـن تـرنمي   
يريد: بطني الواديين، أنشده أصحابنا على الضرورة. وقال النقاش: كانت لهم أربع رحل.

السابقالتالي
2