الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ } * { وَرَأَيْتَ ٱلنَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ ٱللَّهِ أَفْوَاجاً } * { فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَٱسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً }

{ إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ } أي: لدينه الحق على الباطل { وَٱلْفَتْحُ } أي: فتح مكة الذي فتح الله به بينه وبين قومه صلوات الله عليه، فجعل له الغلبة عليهم وضعف أمرهم في التمسك بعقائدهم الباطلة { وَرَأَيْتَ ٱلنَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ ٱللَّهِ أَفْوَاجاً } أي: ورأيت الناس من صنوف العرب وقبائلها عند ذلك يدخلون في دين الله، وهو دينك الذي جئتهم به لزوال ذلك الغطاء الذي كان يحول بينهم وبينه، وهو غطاء قوة الباطل فيقبلون عليه أفواجاً طوائف وجماعات لا آحادا، كما كان في بدء الأمر أيام الشدة. إذ حصل ذلك كله وهو لا ريب حاصل { فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ } أي: فنزه ربك عن أن يهمل الحق ويدعه للباطل يأكله. وعن أن يخلف وعده في تأييده. وليكن هذا التنزيه بواسطة حمده والثناء عليه بأنه القادر الذي لا يغلبه غالب، والحكيم الذي إذا أمهل الكافرين ليمتحن قلوب المؤمنين، فلن يضيع أجر العاملين ولا يصلح عمل المفسدين. والبصير بما في قلوب المخلصين والمنافقين، فلا يذهب عليه رياء المرائين { وَٱسْتَغْفِرْهُ } أي: أسأَله أن يغفر لك ولأصحابك ما كان من القلق والضجر والحزن، لتأخر زمن النصر والفتح. والاستغفار إنما يكون بالتوبة الخالصة. والتوبةُ من القلق إنما تكون بتكميل الثقة بوعد الله، وتغليب هذه الثقة على خواطر النفس التي تحدثها الشدائد، وهو وإن كان مما يشق على نفوس البشر، ولكن الله علم أن نفس نبيّه صلى الله عليه وسلم قد تبلغ ذلك الكمال، فلذلك أمره به، وكذلك تقاربه قلوب الكمل من أصحابه وأتباعه عليه السلام. والله يتقبل منهم { إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً } أي: إنه سبحانه لا يزال يوصف بأنه كثير القبول للتوبة، لأنه ربٌّ يربي النفوس بالمحن. فإذا وجدت الضعف أنهضها إلى طلب القوة، وشدد همها بحسن الوعد. ولا يزال بها حتى تبلغ الكمال. وهي في كل منزلة تتوب عن التي قبلها. وهو سبحانه يقبل توبتها فهو التواب الرحيم. وكأن الله يقول: إذا حصل الفتح، وتحقق النصر، وأقبل الناس على الدين الحق، فقد ارتفع الخوف وزال موجب الحزن، فلم يبق إلا تسبيح الله وشكره، والنزوع إليه عما كان من خواطر النفس. فلن تعود الشدة تأخذ نفوس المخلصين ما داموا على تلك الكثرة في ذلك الإخلاص. ومن هذا أخذ النبيّ صلى الله عليه وسلم أن الأمر قد تم ولم يبق له إلا أن يسير إلى ربه، فقال فيما روي عنه: إنه قد نعيت إليه نفسه. هذا ملخص ما أورده الإمام في تفسيره.

تنبيهات

الأول: قال ابن كثير: المراد بالفتح ههنا فتح مكة قولا واحداً. فإن أحياء العرب كانت تتلوّم بإسلامها فتح مكة. يقولون إن ظهر على قومه، فهو نبيّ.

السابقالتالي
2 3