الرئيسية - التفاسير


* تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان/القمي النيسابوري (ت 728 هـ) مصنف و مدقق


{ إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ } * { وَرَأَيْتَ ٱلنَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ ٱللَّهِ أَفْوَاجاً } * { فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَٱسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً }

الوقوف: { والفتح } ه { أفواجاً } ه لا { واستغفره } ط { تواباً } ه.

التفسير: السورة المتقدمة اشتملت على نصرة الله بقولهيا أيها الكافرون } [الكافرون: 1] وعلى فتح مكة القلب بعسكر التوحيد، وعلى تسخير جميع القوى البدنية في طاعة خالقها بقوّة البراءة عن الأديان الباطلة كلها فقال الله سبحانه: نصرتني بلسانك فكان جزاؤه { إذا جاء نصر الله } فتح مكة في الظاهر وسخرت قواك لطاعتي فجازيناك بدخول الناس في دين الله أفواجاً. ثم إنه قابل هذه الخلع الثلاث بحكم تهادوا تحابوا بثلاثة أنواع العبودية إن نصرتك فسبح تنزيهاً لفعلي عن مشابهة المحدثات وتنبيهاً على أن لا يستحق أحد عليّ شيء، وإذا فتحت مكة فاحمد لأن النعمة يجب مقابلتها بالحمد، وإذا رأيت الناس قد أطاعوك فاستغفر لذنبك وهو الاشتغال بماعسى أن يقع من لذة الجاه والقبول وللمؤمنين والمؤمنات، لأنهم كلما كانوا أكثر كانت ذنوبهم أكثر وكان احتياجهم إلى الاستغفار أشد. وقوله { إذا جاء نصر الله } معناه لا تذهب إلى النصر بل النصر يجيء إليك نظيره " زويت لي الأرض " يعني لا تذهب إلى الأرض بل تجيء الأرض إليك، ولا ترحل إلا إلى مقام قاب قوسينسبحان الذي أسرى بعبده ليلاً } [الإسراء: 1] بل أزيد على هذا فأفضل فقراء أمتك على أغنيائهم ثم آمر الأغنياء بالضحايا ليتخذوها مطايا، فإذا بقي الفقراء من غير مطية أسوق الجنة إليهموأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد } [ق: 31] وإنما قال في السورة المتقدّمةما أعبد } [الكافرون: 3] وههنا قال { نصر الله } إشارة إلى أنه يجب أن لا يذكر اسمي مع الأعداء حتى لا يهينوه ولكن اذكر اسمي مع الأحباب حتى يكرموه. والفرق بين النصر والفتح أن النصر أي الإعانة على تحصيل المطلوب هو الطريق، والفتح هو المقصود، ولهذا قدم الأول على الثاني. وقيل: النصر كمال الدين والفتح الإقبال الدنيوي له ولأمته كقولهأكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي } [المائدة: 3] وقيل: النصر هو الظفر على المنى في الدنيا والفتح في الآخرةوفتحت أبوابها } [الزمر: 73] وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أبداً منصوراً بالدلائل والمعجزات إلا أن الغلبة على قريش بل على أكثر العرب لما حصلت في هذا التاريخ صح التقييد به. ثم إن جمهور المفسرين ومنهم ابن عباس ذكروا أن الفتح هو فتح مكة الذي يقال له فتح الفتوح. يروى أن فتح مكة كان سنة ثمان ونزول السورة سنة عشر ولم يعش رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد نزولها إلا سبعين يوماً ولذلك تسمى سورة التوديع، وقد اتفق أكثر الصحابة على أنها دلت على نعي الرسول صلى الله عليه وسلم وفهمه بعض الصحابة منها، وخطب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد نزولها فقال: إن عبداً خيرّه الله بين الدنيا وبين لقائه في الآخرة فاختار لقاء الله.

السابقالتالي
2 3 4