قال الله تعالى: { تَنزِيلُ ٱلْكِتَابِ }: مبتدأ، خبره: { مِنَ ٱللَّهِ }. وقيل: " تنزيل ": خبر مبتدأ محذوف، تقديره: هذا تنزيل الكتاب، والجار والمجرور صلة التنزيل، كما تقول: نزل من عند الله. أو غير صلة، فيكون الجار والمجرور خبراً بعد خبر. أو يكون خبر مبتدأ محذوف، تقديره: هذا من الله. والمراد بالكتاب: القرآن. قوله تعالى: { مُخْلِصاً } نصب على الحال، { ٱلدِّينَ } نصب بوقوع الفعل عليه. والمعنى: فاعبد الله ممحضاً له الدين من الشرك والرياء. { أَلاَ لِلَّهِ ٱلدِّينُ ٱلْخَالِصُ } قال قتادة: شهادة أن لا إله إلا الله. وقال الحسن: الإسلام. وقيل: المعنى: هو الذي وجب اختصاصه بأن تُخلص له الطاعة من كل شائبة كدر. قوله تعالى: { وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ } قال صاحب الكشاف: يحتمل المتَّخذين وهم الكفرة، والمتخذين وهم الملائكة وعيسى واللات والعزى؛ عن ابن عباس. والضمير في " اتخذوا " على الأول راجع إلى " الذين " ، وعلى الثاني إلى " المشركين " ، ولم يجر ذكرهم لكونه مفهوماً، والراجع إلى " الذين " محذوف. والمعنى: والذين [اتخذهم] المشركون أولياء. " والذين اتخذوا " في موضع رفع على الابتداء. فإن قلت: فالخبر ما هو؟ قلتُ: هو على الأول، إما { إِنَّ ٱللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ } أو ما أضمر من القول قبل قوله: { مَا نَعْبُدُهُمْ }. وعلى الثاني: { إِنَّ ٱللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ }. فإن قلت: فإذا كان " [إن الله] يحكم بينهم " الخبر، فما موضع القول المضمر؟ قلتُ: يجوز أن يكون في موضع الحال، أي: قائلين ذلك. [ويجوز أن يكون بدلاً من الصلة فلا يكون له محل، كما أن المُبْدل منه كذلك]. وقرأ ابن مسعود بإظهار القول: " قالوا ما نعبدهم ". وفي قراءة أُبَيّ: " ما نعبدكم إلا لتقربونا " على الخطاب، حكاية لما خاطبوا به آلهتهم. وقال الزجاج: { مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ } أي: قُربى. والضمير في " بينهم " لهم ولأوليائهم. والمعنى: إن الله يحكم بينهم بأنه يدخل الملائكة وعيسى عليهم السلام الجنة، ويدخلهم النار مع الحجارة التي نحتوها وعبدوها من دون الله تعالى. وقيل: يحكم بين المسلمين والمشركين، فإن المسلمين كانوا يقولون لهم: مَنْ خَلَقَ السماوات والأرض؟ فيقولون: الله، فإذا قالوا لهم: فما لكم تعبدون الأصنام؟ قالوا: إنما نعبدهم ليقربونا إلى الله زلفى. { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي } أي: لا يُرشد { مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَـفَّارٌ } في قوله أن الآلهة تشفع لهم وتقربهم إلى الله. وقيل: من هو كاذب في قولهم في بعض من اتخذوه من دون الله أولياء: بنات الله، ولذلك عقبه محتجاً عليهم بقوله تعالى: { لَّوْ أَرَادَ ٱللَّهُ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً لاَّصْطَفَىٰ مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ }. قال الزمخشري: كأنه قال: لو أراد الله تعالى اتخاذ الولد لم يزد على ما فعل من اصطفاء ما [يشاء] من خلقه وهم الملائكة، إلا أنكم لجهلكم به حسبتم اصطفاءهم [اتخاذهم] أولاداً، ثم تماديتم في جهلكم وسفهكم فجعلتموهم بنات. ثم نزّه نفسه فقال: { سُبْحَانَهُ هُوَ ٱللَّهُ ٱلْوَاحِدُ ٱلْقَهَّارُ }.