الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ فَٱعْبُدِ ٱللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ ٱلدِّينَ }

قوله: { بِٱلْحَقِّ }: يجوزُ أَنْ يتعلَّقَ بالإِنزال أي: بسبب الحق، وأنْ يتعلَّقَ بمحذوفٍ على أنه حالٌ من الفاعل أو المفعول وهو الكتاب، أي: مُلْتبسين بالحق أو ملتبساً بالحقِّ. وفي قوله: { إِنَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ } تكريرُ تعظيمٍ بسبب إبرازِه في جملةٍ أخرى مضافاً إنزالُه إلى المعظِّم نفسَه.

قوله: " مُخْلِصاً " حالٌ مِنْ فاعل " اعبد " ، و " الدين " منصوبٌ باسمِ الفاعلِ. والفاءُ في " فاعبُدِ " للربطِ، كقولك: " أَحْسَنَ إليك فلانٌ فاشْكُرْه ". والعامَّةُ على نصبِ " الدينَ " كما تقدَّم. ورَفَعَه ابنُ أبي عبلة. وفيه وجهان، أحدُهما: أنَّه مرفوعٌ بالفاعليةِ رافعُه " مُخْلِصاً " ، وعلى هذا فلا بُدَّ مِنْ تجوُّزٍ وإضمارٍ. أمَّا التجوزُ فإسنادُ الإِخلاصِ للدين وهو لصاحبِه في الحقيقة. ونظيرُه قولُهم: شعرٌ شاعرٌ. وأمَّا الإِضمارُ فهو إضمارٌ عائدٌ على ذي الحالِ أي: مُخْلِصاً له الدينَ منك، هذا رَأْيُ البصريين في مثل هذا. وأمَّا الكوفيون فيجوزُ أَنْ يكونَ عندهم أل عوضاً مِن الضميرِ أي: مُخْلِصاً ديْنَك. قال الزمخشري: " وحَقٌّ لمَنْ رَفَعه أَنْ يَقرأ " مُخْلَصاً " بفتحِ اللامِ لقولِه تعالى:وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ للَّهِ } [النساء: 146] حتى يطابقَ قولَه: { أَلاَ لِلَّهِ ٱلدِّينُ ٱلْخَالِصُ } ، والخالِصُ والمُخْلَص واحدٌ إلاَّ أَنْ يصفَ الدينَ بصفةِ صاحبِه على الإِسنادِ المجازيِّ كقولِهم: شعرٌ شاعرٌ ". والثاني: أَنْ يَتِمَّ الكلامُ على " مُخْلِصاً " وهو حالٌ مِنْ فاعلِ " فاعبدْ " و " له الدينُ " مبتدأٌ وخبرٌ، وهذا قولُ الفراء. وقد رَدَّه الزمخشري، وقال: " فقد جاء بإعرابٍ رَجَع به الكلامُ إلى قولِك: " لله الدينُ " { أَلاَ لِلَّهِ ٱلدِّينُ ٱلْخَالِصُ } قلت: وهذا الذي ذكره الزمخشريُّ لا يظهرُ فيه رَدٌّ على هذا الإِعرابِ.