قوله: { مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ }: " مِنْ " يجوزُ أَنْ تكونَ للبيانِ، فتتعلَّق بمحذوفٍ، أي: أعني من أهل الكتاب. والثاني: أنها حالٌ من " الذين كفروا ". قوله: { مِن دِيَارِهِمْ } متعلق بـ " أَخْرَجَ " ومعناها ابتداءُ الغايةِ. وصَحَّتْ إضافةُ الديارِ إليهم لأنهم أَنْشَؤُوها. قوله: { لأَوَّلِ ٱلْحَشْرِ } هذه/ اللامُ تتعلقُ بـ " أَخْرَجَ " وهي لامُ التوقيتِ كقولِه:{ لِدُلُوكِ ٱلشَّمْسِ } [الإسراء: 78]، أي: عند أول الحشر. قال الزمخشري: " وهي اللامُ في قولِه تعالى:{ يٰلَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي } [الفجر: 24] وقولِك " جئتُ لوقْتِ كذا ". قلت: سيأتي الكلامُ على هذه اللامِ في الفجرِ، إنْ شاءَ الله تعالى. قوله: { مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم } فيه وجهان، أحدهما: أَنْ يكونَ " حصونُهم " مبتدأً، و " مانِعَتُهم " خبرٌ مقدمٌ. والجملةُ خبر " أنهم " لا يُقال: لم لا يُقال: " مانِعَتُهم " مبتدأٌ؛ لأنه معرفةٌ و " حصونُهم " خبرُه. ولا حاجةَ لتقديمٍ ولا تأخيرٍ؛ لأنَّ القصدَ الإِخبارُ عن الحصون، ولأنَّ الإِضافةَ غيرُ مَحْضَةٍ، فهي نكرةٌ. والثاني: أَنْ يكونَ " مانِعَتُهم " خبرَ " أنهم " وحصونُهم " فاعلٌ به. نحو: إنَّ زيداً قائمٌ أبوه، وإنَّ عَمْراً قائمةٌ جاريتُه. وجعله الشيخ أَوْلى؛ لأنَّ في نحو: قائمٌ زيد ـ على أَنْ يكونَ خبراً مقدماً ومبتدأً مؤخراً ـ خلافاً والكوفيون يمنعونَه فمحلُّ الوِفاق أَوْلى. وقال الزمخشري: " فإنْ قلتَ: أيُّ فَرْقٍ بين قولِك " وظنُّوا أنَّ حصونَهم تمنعُهم، أو مانِعَتُهم، وبين النظم الذي جاء عليه؟ قلت: [في] تقديمِ الخبرِ على المبتدأ دليلٌ على فَرْطِ وُثوقِهم بحَصانتِها ومَنْعِها إياهم، وفي تصييرِ ضميرِهم اسماً لـ " أنَّ " وإسناد الجملةِ إليه دليلٌ على اعتقادِهم في أنفسِهم أنَّهم في عِزَّةٍ ومَنَعَة لا يُبالى معها بأحد يَتَعرَّضُ لَهم، وليس ذلك في قولك " حُصُونهم تَمْنعهم " انتهى. وهذا الذي ذكره إنما يَتأتَّى على الإِعرابِ الأولِ، وقد تقدَّم أنه مَرْجوحٌ، وتَسَلَّطَ الظنُّ هنا على " أنَّ " المشددةِ، والقاعدةُ أنه لا يعملُ فيها ولا في المخففةِ منها إلاَّ فعلُ عِلْمٍ ويقينٍ، إجراءً له مُجْرى اليقين لشدَّتِه وقوتِه وأنَّه بمنزلةِ العلم. قوله: { يُخْرِبُونَ } يجوزُ أَنْ يكونَ مستأنفاً للإِخبار به، وأن يكونَ حالاً مِنْ ضميرِ " قلوبِهم " وليس بذاك. وقرأ أبو عمرو " يُخَرِّبون " بالتشديد وباقيهم بالتخفيفِ وهما بمعنى واحدٍ؛ لأن خرَّب عَدَّاه أبو عمروٍ بالتضعيف، وهم بالهمزة. وعن أبي عمروٍ أنه فَرَّق بمعنىً آخرَ فقال: " خرَّب بالتشديد: هَدَم وأَفْسد، وأَخْرَبَ بالهمزة: تَرَكَ الموضعَ خراباً وذهَب عنه. واختار الهذليُّ قراءةَ أبي عمروٍ لأجل التكثير. ويجوزُ أَنْ يكونَ " يُخْرِبون " تفسيراً للرعب فلا مَحَلَّ له أيضاً.