الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ لاَ أُقْسِمُ بِهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ } * { وَأَنتَ حِلٌّ بِهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ } * { وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ }

{ لاَ أُقْسِمُ بِهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ } تقدم في مواضع متعددة من التنزيل الكريم تفسير { لاَ أُقْسِمُ } و (البلد) هو مكة. وقيد القسم بقوله تعالى: { وَأَنتَ حِلٌّ بِهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ } عناية بالنبيّ صلوات الله عليه. فكأنه إقسام به لأجله، مع تعريض بعدم شرف أهل مكة، وأنهم جهلوا جهلاً عظيما، لهمهم بإخراج من هو حقيق به، وبه يتم شرفه.

قال الشهاب: و (الحل) صفة أو مصدر بمعنى الحال على هذا الوجه. ولا عبرة بمن أنكره لعدم ثبوته في كتب اللغة. وقيل: معناه وأنت يستحل فيه حرمتك، ويتعرض لأذيتك. ففيه تعجيب من حالهم في عداوته، وتعريض بتجميعهم وتفريقهم بأنه لا يستحل فيه الحمام، فكيف يستحل فيه دم مرشد الأنام، عليه الصلاة والسلام؟؟

وقيل: معناه وأنت حل به في المستقبل. تصنع فيه ما تريد من القتل والأسر، إشارة إلى ما سيقع من فتح مكة وإحلالها له ساعة من نهار، يقتل ويأسر. مع أنها ما فتحت على أحد قبله، ولا أحلت له. ففيه تسلية له، ووعد بنصره، وإهلاك عدوه. و (الحل) على هذين الوجهين ضد (الحرمة) وفيهما - كما قالوا - بُعْدٌ. لا سيما إرادة الاستقبال في الوجه الأخير، فإنه غير متبادر منه. وإنما كان الأول أولى لتشريفه عليه السلام، بجعل حلوله به مناطاً لإعظامه، مع التنبيه من أول الأمر على تحقق مضمون الجواب، بذكر بعض مواد المكابدة، على نهج براعة الاستهلال، وإنه كابد المشاق، ولاقي من الشدائد في سبيل الدعوة إلى الله ما لم يكابده داع قبله، صلوات الله عليه وسلامه.

{ وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ } عطف على { هَـٰذَا ٱلْبَلَدِ } داخل في المقسم به. قيل: عني بذلك آدم وولده. وقيل: إبراهيم وولده. والصواب - كما قال ابن جرير - أن المعنى به كل والد وما ولد. قال: وغير جائز أن يخص ذلك إلا بحجة يجب التسليم لها من خبر أو عقل. ولا خبر بخصوص ذلك ولا برهان، يجب التسليم له بخصوصه. فهو على عمومه كما عمه.

وإيثارُ { مَا } على (من) لإرادة الوصف. فيفيد التعظيم في مقام المدح. وإنه مما لا يكتنه كنهه لشدة إبهامها. ولذا أفادت التعجب أو التعجيب، وإن لم يكن استفهاماً كما في قوله تعالى:وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ } [آل عمران: 36] أي: أيُّ مولود عظيم الشأن وضعته. وهذا على كون المراد إبراهيم والنبيّ عليهما الصلاة والسلام، ظاهر. أما على أن المراد به آدم وذريته، فالتعجب من كثرتهم، أو مما خص به الإنسان من خواص البشر. كالنطق والعقل وحسن الصورة. حكاه الشهاب.