الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلْعَصْرِ } * { إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍ }

العصر: اسم للزمن كله أو جزء منه.

ولذا اختلف في المراد منه، حيث لم يبين هنا.

فقيل: هو الدهر كله، أقسم الله به لما فيه من العجائب، أمة تذهب وأمة تأتي، وقدر ينفذ، وآية تظهر، وهو لا يتغير، ليل يعقبه نهار، ونهار يطرده ليل، فهو في نفسه عجب.

كما قيل:

موجود شبيه المعدوم، ومتحرك يضاهي الساكن.

كما قيل:
وأرى الزمان سفينة تجري بنا   نحو المنون ولا نرى حركاته
فهو في نفسه آية، سواء في ماضيه لا يعلم متى كان، أو في حاضره لا يعلم كيف ينقضي، أو في مستقبله.

واستدل لهذا القول بما جاء موقوفاً على علي رضي الله عنه، ومرفوعاً من قراءة شاذة: والعصر ونوائب الدهر. وحمل على التفسير إذ لم يصح قرآناً، وهذا المعنى مروي عن ابن عباس.

وعليه قول الشاعر:
سبيل الهوى وعر، وبحر الهوى غمر   ويوم الهوى شهر، وشهر الهوى دهر
وقيل العصر: الليل والنهار.

قال حميد بن ثور:
ولم يلبث العصران يوم ليلة   إذا طلبا أن يدركا ما يتمما
والعصران: أيضاً الغداة العشي.

كما قيل:
وأمطله العصرين حتى يملني   ويرضى بنصف الدين والأنف راغم
والمطل: التسويف وتأخير الدين.

كما قيل:
قضى كل ذي دين فوفى غريمه   وعزة ممطول معنى غريمها
وقيل: إن العشي ما بعد زوال الشمس إلى غروبها، وهو قول الحسن وقتادة.

ومنه قول الشاعر:
تروح بنا يا عمرو قد قصر العصر   وفي الروحة الأولى الغنيمة والأجر
وعن قتادة أيضاً: هو آخر ساعة من ساعات النهار، لتعظيم اليمين فيه، وللقسم بالفجر والضحى.

وقيل: هو صلاة العصر لكونها الوسطى.

وقيل: عصر النَّبي صلى الله عليه وسلم أو زمن أمته، لأنه يشبه عصر عمر الدنيا.

والذي يظهر والله تعالى أعلم: أن أقرب هذه الأقوال كلها قولان: إما العموم بمعنى الدهر للقراءة الشاذة، إذ أقل درجاتها التفسير، ولأنه يشمل بعمومه بقية الأقوال.

وإما عصر الإنسان أي عمره ومدة حياته الذي هو محل الكسب والخسران لإشعار السياق، ولأنه يخص العبد في نفسه موعظة وانتفاعاً.

ويرجع لهذا المعنى ما يكتنف هذه السورة من سور التكاثر قبلها، والهمزة بعدها، إذ الأولى تذم هذا التلهي والتكاثر بالمال والولد، حتى زيارة المقابر بالموت، ومحل ذلك هو حياة الإنسان.

وسورة الهمزة في نفس المعنى تقريباً، في الذي جمع مالاً وعدده، يحسب أن ماله أخلده.

فجمع المال وتعداده في حياة الإنسان وحياته محدودة، وليس مخلداً في الدنيا، كما أن الإيمان وعمل الصالحات مرتبط بحياة الإنسان.

وعليه، فإما أن يكون المراد بالعصر في هذه السورة العموم لشموله الجميع وللقراءة الشاذة، وهذا أقواها.

وإما حياة الإنسان، لأنه ألزم له في عمله، وتكون كل الإطلاقات الأخرى من إطلاق الكل، وإرادة البعض، والله تعالى أعلم.

السابقالتالي
2 3 4