الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَٱلْعَصْرِ } * { إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍ } * { إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلْحَقِّ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلصَّبْرِ }

للعلماء أقوال متعددة فى المقصود بالعصر هنا فمنهم من يرى أن المقصود به الدهر كله، لما فيه من العبر التى تدل دلالة واضحة على عظيم قدرة الله - تعالى -، ولما فيه من الأحداث التى يراها الناس بأعينهم، ويعرفونها عن غيرهم.. فهم يرون ويسمعون كم من غنى قد صار فقيرا، وقوى قد صار ضعيفا، ومسرور قد أصبح حزينا.. ورحم الله القائل
أشاب الصغير وأفنى الكبير كر الغداة ومر العشى   
قال القرطبى قوله - تعالى - { وَٱلْعَصْرِ } أى الدهر، قال ابن عباس وغيره. فالعصر مثل الدهر.. وأقسم به - سبحانه - لما فيه من التنبيه بتصرف الأحوال وتبدلها. ومنهم من يرى أن المقصود به وقت صلاة العصر، وقد صدر صاحب الكشاف تفسيره لهذه الآية بهذا الرأى فقال أقسم - سبحانه - بصلاة العصر لفضلها، بدليل قوله - تعالى -حَافِظُواْ عَلَى ٱلصَّلَوَاتِ وٱلصَّلاَةِ ٱلْوُسْطَىٰ } - وهى صلاة العصر - ، وقوله صلى الله عليه وسلم " من فاتته صلاة العصر فكأنما وَتِرَ أهله وماله " ولأن التكليف فى أدائها أشق لتهافت الناس فى تجاراتهم ومكاسبهم آخر النهار.. ومنهم من يرى أن المراد بالعصر هنا عصر النبوة. لأفضليته بالنسبة لما سبقه من عصور. وقد رجح الإِمام ابن جرير القول الأول فقال والصواب من القول فى ذلك أن يقال إن ربنا أقسم بالعصر،والعصر اسم الدهر، وهو العشى، والليل والنهار.. وقوله - سبحانه - { إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍ... } جواب القسم، والمراد بالإِنسان جنسه ويدخل فيه الكافر دخولا أوليا. والخسر مثل الخسران، كالكفر بمعنى الكفران.. أى إن جنس الانسان لا يخلو من خسران ونقصان وفقدان للربح فى مساعيه وأعماله طوال عمره، وإن هذا الخسران يتفاوت قوة وضعفا. فأخسر الأخسرين هو الكافر الذى أشرك مع خالقه إلها آخر فى العبادة، وأقل الناس خسارة هو المؤمن الذى خلط عملا صالحا بآخر سيئا ثم تاب إلى الله - تعالى - توبة صادقة. وجاء الكلام بأسلوب القسم، لتأكيد المقسم عليه، وهو أن جنس الإِنسان فى خسر. وقال - سبحانه - { لَفِى خُسْرٍ } للإِشعار بأن الإِنسان كأنه مغمور بالخسر، وأن هذا الخسران قد أحاط به من كل جانب، وتنكير لفظ " خسر " للتهويل. أى لفى خسر عظيم. وقوله - سبحانه - { إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ... } استثناء مما قبله، والمقصود بهذه الآية الكريمة تسلية المؤمنين الصادقين.. وتبشيرهم بأنهم ليسوا من هذا الفريق الخاسر. وقوله - تعالى - { وَتَوَاصَوْاْ } فعل ماض، من الوصية وهى تقديم النصح للغير مقرونا بالوعظ. و " الحق " هو الأمر الذى ثبتت صحته ثبوتا قاطعا.. و " الصبر " قوة فى النفس تعينها على احتمال المكاره والمشاق.

السابقالتالي
2