الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُمْ مِّن نِّسَآئِهِمْ مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلاَّ ٱللاَّئِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَراً مِّنَ ٱلْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنَّ ٱللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ }

تتنزل جملة { الذين يظاهرون منكم من نسائهم } وما يتم أحكامها منزلةَ البيان لجملةقد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها } المجادلة 1 الآية لأن فيها مخرجاً ممَّا لحق بالمجادِلة من ضُر بظهار زوجها، وإبطالاً له، ولها أيضاً موقع الاستئناف البياني لجملة { قد سمع الله } لأن قوله { قد سمع الله } يثير سؤالاً في النفس أن تقول فماذَا نشأ عن استجابة الله لشكوى المجادلة فيجاب بما فيه المخرج لها منه. وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو ويعقوب " يَظّهّرون " بفتح الياء وتشديد الظاء والهاء مفتوحتين بدون ألف بعد الظاء على أن أصله يتَظهرون، فأدغمت التاء في الظاء لقرب مخرجيهما، وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وأبو جعفر وخلف " يَظَّاهرون " بفتح الياء وتشديد الظاء وألف بعدها على أن أصله يتظاهرون، فأدغمت التاء كما تقدم، وقرأ عاصم { يُظَاهِرون } بضم الياء وتخفيف الظاء وألف وكسر الهاء على أنه مضارع ظَاهَر. ولم يأت مصدره إلاّ على وزن الفِعال ووزن المفاعلة. يقال صدر منه ظِهار ومُظاهرة، ولم يقولوا في مصدره بوزن التظَهر، فقراءة نافع قد استُغني فيها عن مصدره بمصْدر مرادفه. ومعناه أن يقول الرجل لزوجه أنتِ عليَّ كظهر أمِّي. وكانَ هذا قولاً يقولونه في الجاهلية يريدون به تأبيد تحريم نكاحها وبتّ عصمته. وهو مشتق من الظهر ضد البطن لأن الذي يقول لامرأته أنتِ عليَّ كظهر أمي، يُريد بذلك أنه حرمها على نفسه. كما أن أُمه حرام عليه، فإسناد تركيب التشبيه إلى ضمير المرأة على تقدير حالة من حالاتها، وهي حالة الاستمتاع المعروف، سَلكوا في هذا التحريم مسلك الاستعارة المكنية بتشبيه الزوجة حينَ يقربها زوجها بالراحلة، وإثباتُ الظهر لها تخيّل للاستعارة، ثم تشبيهِ ظهر زوجته بظهر أمه، أي في حالة من أحواله، وهي حالة الاستمتاع المعروف. وجُعل المشبه ذات الزوجة. والمقصود أخصُّ أحوال الزوجة وهو حال قربانها فآل إلى إضافة الأحكام إلى الأعيان. فالتقدير قربانكِ كقربان ظهرِ أُمي، أي اعتلائها الخاص. ففي هذه الصيغة حذف ومجيء حروف لفظ ظهر في صيغة ظهار أو مظاهرة يشير إلى صيغة التحريم التي هي «أنت عليّ كظهر أمّي» إيماء إلى تلك الصيغة على نحو ما يستعمل في النحت وليس هو من النحت لأن النحت يشتمل على حروف من عدة كلمات. قال المفسرون وأهل اللغة كان الظهار طلاقاً في الجاهلية يقتضي تأبيد التحريم. وأحسب أنه كان طلاقاً عند أهل يثرب وما حولها لكثرة مخالطتهم اليهود ولا أحسب أنّه كان معروفاً عند العرب في مكة وتهامة ونجد وغيرها ولم أقف على ذلك في كلامهم. وحسبك أن لم يذكر في القرآن إلا في المدني هنا وفي سورة الأحزاب.

السابقالتالي
2 3 4