استئناف بياني ناشىء عن إجراء الصفات المذكورة آنفاً على اسم الجلالة إذ يتساءل السامع عن وجه تخصيص تلك الصفات بالذكر من بين صفات الله تعالى فكأن الحال مقتضياً أن يبين شيء عظيم من تعلق تلك الصفات بأحوال خلقه تعالى إذ بعث فيهم رسولاً يطهر نفوسهم ويزكيهم ويعلمهم. فصفة{ الملك } الجمعة 1 تعلقت بأن يدبر أمر عباده ويصلح شؤونهم، وصفة{ القدوس } الجمعة 1 تعلقت بأن يزكي نفوسهم، وصفة{ العزيز } الجمعة 1 اقتضت أن يلحق الأميين من عباده بمراتب أهل العلم ويخرجهم من ذلة الضلال فينالوا عزة العلم وشرفه، وصفة{ الحكيم } الجمعة 1 اقتضت أن يعلمهم الحكمة والشريعة. وابتداء الجملة بضمير اسم الجلالة لتكون جملة اسمية فتفيد تقوية هذا الحكم وتأكيده، أي أن النبي صلى الله عليه وسلم مَبعوث من الله لا محالة. و { في } من قوله { في الأميين } للظرفية، أي ظرفية الجماعة ولأحد أفرادها. ويفهم من الظرفية معنى الملازمَة، أي رسولاً لا يفارقهم فليس ماراً بهم كما يَمرّ المرسل بمقالةٍ أو بمالكةٍ يبلغها إلى القوم ويغادرهم. والمعنى أن الله أقام رسوله للناس بين العرب يدعوهم وينشر رسالته إلى جميع النّاس من بلاد العرب فإن دلائل عموم رسالة محمد صلى الله عليه وسلم معلومة من مواضع أخرى من القرآن كما في سورة الأعراف 158{ قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً } وفي سورة سبأ 28{ وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً } والمراد بـ { الأميين } العرب لأن وصف الأميّة غالب على الأمة العربية يومئذٍ. ووصف الرسول بـ { منهم } ، أي لم يكن غريباً عنهم كما بعث لوطاً إلى أهل سدوم ولا كما بعث يونس إلى أهل نينوَى، وبعث إلياس إلى أهل صيدا من الكنعانيين الذين يعبدون بَعل، فـمن تبعيضية، أي رسولاً من العرب. وهذه منة موجهة للعرب ليشكروا نعمة الله على لطفه بهم، فإن كون رسول القوم منهم نعمةٌ زائدة على نعمة الإِرشاد والهدي، وهذا استجابة لدعوة إبراهيم إذ قال{ ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم } البقرة 129 فتذكيرهم بهذه النعمة استنزال لطائر نفوسهم وعنادهم. وفيه تورك عليهم إذ أعرضوا عن سماع القرآن فإن كون الرسول منهم وكتابه بلغتهم هو أعون على تلقي الإِرشاد منه إذ ينطلق بلسانهم ويحملهم على ما يصلح أخلاقهم ليكونوا حملة هذا الدين إلى غيرهم. و { الأميين } صفة لموصوف محذوف دل عليه صيغة جمع العقلاء، أي في الناس الأميين. وصيغة جمع الذكور في كلام الشارع تشمل النساء بطريقة التغليب الاصطلاحي، أي في الأميين والأمِّيات فإن أدلة الشريعة قائمة على أنها تعم الرجال والنساء إلا في أحكام معلومة. والأميون الذين لا يقرؤون الكتابة ولا يكتبون، وهو جمع أمي نسبة إلى الأمة، يعنون بها أمة العرب لأنهم لا يكتبون إلا نادراً، فغلبت هذا التشبيه في الإطلاق عند العرب حتى صارت تطلق على من لا يكتب ولو من غيرهم، قال تعالى في ذكر بني إسرائيل