الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُواْ ذَوَىْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُواْ ٱلشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً } * { وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ ٱللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ ٱللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً }

{ فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ }. تفريع على جميع ما تقدم من أحكام العدة معطوف على جملةوأحصوا العدة } الطلاق 1 لأن إحصاءها بحفظ مدتها واستيعاب أيامها فإذا انتهت المدة فقد أعذر الله لهما والزيادة عليها إضرار بأحدهما أو بكليهما وفائدة الآجال الوقوف عند انتهائها. وبلوغ الأجل أصله انتهاء المُدة المقدرة له كما يؤذن به معنى البلوغ الذي هو الوصول إلى المطلوب على تشبيه الأجل المعين بالمكان المسير إليه وشاع ذلك في الاستعمال فالمجاز في لفظ الأجل وتبعه المجاز في البلوغ وقد استعمل البلوغ في هذه الآية في مقاربة ذلك الإِنتهاء مبالغة في عدم التسامح فيه وهذا الاستعمال مجاز آخر لمشابهة مقاربة الشيء بالحصول فيه والتلبس به. وقرينة المجاز هنا هو لفظ الأجل لأنه لا تتصور المراجعة بعد بلوغ الأجل لأن في ذلك رفع معنى التأجيل. ومنه قوله تعالىوإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف } في سورة البقرة 231. والإمساك اعتزام المراجعة عبر عنه بالإمساك للإيماء إلى أن المطلقة الرجعية لها حكم الزوجة فيما عدا الاستمتاع فكأنه لما راجعها قد أمسكها أن لا تفارقه فكأنه لم يفارقها لأن الإِمساك هو الضن بالشيء وعدم التفريط فيه ومنه قوله تعالىأمسك عليك زوجك } الأحزاب 37 وأنه إذا لم يراجعها فكأنه قد أعاد فراقها وقسا قلبه. ومن أجل هذه النكتة جعل عدم الإمساك فراقاً جديداً في قوله { أو فارقوهن بمعروف }. والأمر في { فأمسكوهن } { أو فارقوهن } للإِباحة، و { أو } فيه للتخيير. والباء في { بمعروف } للملابسة أي ملابسة كل من الإِمساك والفراق للمعروف. والمعروف هو ما تعارفه الأزواج من حسن المعاملة في المعاشرة وفي الفراق. فالمعروف في الإِمساك حسن اللقاء والاعتذارُ لها عما فرط والعودُ إلى حسن المعاشرة. والمعروف في الفراق كف اللسان عن غِيبتها وإظهارِ الاستراحة منها. والمعروف في الحالين من عمل الرَّجل لأنه هو المخاطب بالإِمساك أو الفراق. وأما المعروف الذي هو من عمل المرأة فمقرر من أدلة أخرى كقوله تعالىولهن مثل الذي عليهن بالمعروف } البقرة 228. وتقديم الإِمساك أعني المراجعة على إمضاء المفارقة، إيماء إلى أنه أرضى لله تعالى وأَوفَقُ بمقاصد الشريعة مع ما تقدم من التعبير عن المراجعة بالإمساك، ففهم أن المراجعة مندوب إليها لأن أبْغض الحلال إلى الله الطلاق. ولمَّا قيد أمر الإباحة من قوله { فأمسكوهن } { أو فارقوهن } ، بقيد بالمعروف، فُهم منه أنّه إن كان إمساك دون المعروف فهو غير مأذون فيه وهو الإمساك الذي كان يفعله أهل الجاهلية أن يطلق الرجل امرأته فإذا قاربت انتهاء عدتها راجعها أياماً ثم طلقها يفعل ذلك ثلاثاً ليطيل عليها من العدة فلا تتزوج عدة أشهر إضراراً بها.

السابقالتالي
2 3 4 5 6