الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ قَدْ فَرَضَ ٱللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَٱللَّهُ مَوْلاَكُمْ وَهُوَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْحَكِيمُ }

{ قَدْ فَرَضَ ٱللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَـٰنِكُمْ } أي قد شرع لكم تحليلها، وهو حل ما عقدته الأيمان بالكفارة، فالتحلة مصدر حلل كتكرمة من كرم، وليس مصدر مقيساً، والمقيس التحليل والتكريم لأن قياس فعل الصحيح العين غير المهموز هو التفعيل، وأصله تحللة فأدغم، وهو من الحل ضد العقد فكأنه باليمين على الشيء لالتزامه عقد عليه وبالكفارة يحل ذلك، ويحل أيضاً بتصديق اليمين كما في قوله صلى الله عليه وسلم: " لا يموت لرجل ثلاثة أولاد فتمسه النار إلا تحلة القسم " يعنيوَإِن مّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا } [مريم: 71] الخ، وتحليله بأقل ما يقع عليه الاسم كمن حلف أن ينزل يكفي فيه إلمام خفيف، فالكلام كناية عن التقليل أي قدر الاجتياز اليسير، وكذا يحل بالاستثناء أي بقول الحالف: إن شاء الله تعالى بشرطه المعروف في الفقه. ويفهم من كلام «الكشاف» أن التحليل يكون بمعنى الاستثناء ومعناه كما في «الكشف» تعقيب اليمين عند الإطلاق بالاستثناء حتى لا تنعقد، ومنه حلاً أبيت اللعن.

وعلى القول بأنه كان منه عليه الصلاة والسلام يمين - كما جاء في بعض الروايات وهو ظاهر الآية - اختلف هل أعطى صلى الله عليه وسلم الكفارة أم لا؟ فعن الحسن أنه عليه الصلاة والسلام لم يعط لأنه كان مغفوراً له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وإنما هو تعليم للمؤمنين، وفيه أن غفران الذنب لا يصلح دليلاً لأن ترتب الأحكام الدنيوية على فعله عليه الصلاة والسلام ليس من المؤاخذة على الذنب، كيف وغير مسلم أنه ذنب؟ وعن مقاتل أنه صلى الله عليه وسلم أعتق رقبة في تحريم مارية، وقد نقل مالك في «المدونة» عن زيد بن أسلم أنه عليه الصلاة والسلام أعطى الكفارة في تحريمه أم ولده حيث حلف أن لا يقربها، ومثله عن الشعبـي.

((واختلف العلماء في حكم قول الرجل لزوجته: أنت علي حرام، أو الحلال علي حرام ولم يستثن زوجته فقيل: قال جماعة منهم مسروق وربيعة وأبو سلمة والشعبـي وأصبغ: هو كتحريم الماء والطعام لا يلزمه شيء، وقال أبو بكر وعمر وزيد وابن مسعود وابن عباس وعائشة وابن المسيب وعطاء وطاوس وسليمان بن يسار وابن جبير وقتادة والحسن والأوزاعي وأبو ثور وجماعة: هو يمين يكفرها، وابن عباس أيضاً في رواية والشافعي في قول في أحد قوليه: فيه تكفير يمين وليس بيمين))، ((وأبو حنيفة يرى تحريم الحلال يميناً في كل شيء، ويعتبر الانتفاع المقصود فيما يحرمه، فإذا حرم طعاماً فقد حلف على عدم أكله أو أمة فعلى وطئها أو زوجة فعلى الإيلاء منها إذا لم / تكن له نية فإن نوى الظهار فظهار وإن نوى الطلاق فطلاق بائن، وكذلك إن نوى اثنتين وإن نوى ثلاثاً فكما نوى، وإن قال: نويت الكذب دين بينه وبين الله تعالى، ولكن لا يدين في قضاء الحاكم بإبطال الإيلاء)) لأن اللفظ إنشاء في العرف.

السابقالتالي
2