الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ } * { وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ ٱلْوَعِيدِ } * { وَجَآءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَآئِقٌ وَشَهِيدٌ } * { لَّقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَـٰذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَآءَكَ فَبَصَرُكَ ٱلْيَوْمَ حَدِيدٌ }

قوله: { وَجَآءَتْ سَكْرَةُ ٱلْمَوْتِ } أي غمرته وشدته التي تغشى الإنسان وتجلب على عقله.

قوله: " بالْحَقِّ " يجوز أن تكون الباء للحال أي مُلْتَبسةً بالحقّ والمعنى بحقيقة الموت، ويجوز أن تكون للتعدية والمراد منه الموت فإنه حق كأن شدة الموت تحضر الموت، يقال: جاء فلان بكذا أي أحضره، وقيل: بالحق من أمر الآخرة حتى يتبينه الإنسان ويراه بالعَيَان. وقيل: بما يَؤُول إليه أمر الإنسان من السعادة والشقاوة.

وقرأ عبد الله: سَكَرَاتُ.

ويقال لمن جاءته سكرة الموت: ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تحيد أي تميل، من حَادَ عن الشيء يَحِيدُ حُيُوداً وحُيُودَةً وحَيْداً. وقال الحسن: تهرب، وقال ابن عباس - (رضي الله عنهما -) تكره وأصل الحَيْدِ: الميلُ، يقال: حُدْتُ عن الشيء أَحِيدُ حَيْداً ومَحِيداً إذا مِلْت عنه، و " ذلك " يحتمل أن يكون إشارة إلى الموت وأن يكون إشارة إلى الحق. والخطاب قيل مع النبي - صلى الله عليه وسلم -. قال ابن الخطيب: وهو مُنْكَر، وقيل: مع الكافر. وهو أقرب. والأقْوى أن يقال: هو خطاب عامٌّ مع السامع.

قوله: { وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ } عطف على قوله: { وَجَآءَتْ سَكْرَةُ ٱلْمَوْتِ } يعني نفخة البعث { ذَٰلِكَ يَوْمُ ٱلْوَعِيدِ } الذي وعد الكفار أن يعذبهم فيه. قال الزمخشري: " ذلك " إشارة إلى المصدر الذي هو قوله: " وَنُفِخَ " أي وقت ذلك النفخ يوم الوعيد. قال ابن الخطيب: وهذا ضعيف؛ لأن " يوم " لو كان منصوباً لكان ما ذكره ظاهراً، وأما رفع " يوم " فيفيد أن ذلك نفس اليوم، والمصدر لا يكون نفس الزمان وإنما يكون في الزمان.

فالأولى أن يقال: " ذلك " إشارة إلى الزمان المفهوم من قوله: " ونفخ " لأن الفعل كما يدل على المصدر يدل على الزمان فكأنه قال تعالى: ذلك الزمان يوم الوعيد، والوعيد هو الذي أَوْعَدَ به من الحَشر، والمجازاة.

قوله: { وَجَآءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَآئِقٌ وَشَهِيدٌ } قيل: السائق هو الذي يسوقه إلى الموقف ومنْه إلى مقعده، والشهيدُ هو الكاتب. والسائق لازم للبرِّ والفَاجِرِ، أما البَرُّ فيساق إلى الجنة وأما الفاجر فإلى النار، قال تعالى:وَسِيقَ ٱلَّذِينَ كَـفَرُوۤاْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ... وَسِيقَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ إِلَى ٱلْجَنَّةِ } [الزمر: 71 - 73]، والشهيد يشهد عليها بما عملت. قال الضحاك: السائق من الملائكة والشاهد من أنفسهم الأيدي والأرجل، وهي رواية العَوْفي عن ابن عباس. وقيل: هما جميعاً من الملائكة.

قوله: " مَعَهَا سَائِقٌ " جملة في موضع جر صفة " لِنَفسٍ " أو في موضع رفع صفة " لكُلّ " أو في موضع نصب حالاً من " كُلّ ". والعامة على عدم الإدغام في " معها " وطلحة على الإدغام " مَحَّا " بحاءٍ مشددة، وذلك أنه أدغم العين في الهاء، ولا يمكن ذلك فقلبت الهاء حاء ثم أدغم فيها العين فقلبها حاءً.

السابقالتالي
2