الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ ثُلَّةٌ مِّنَ ٱلأَوَّلِينَ } * { وَقَلِيلٌ مِّنَ ٱلآخِرِينَ } * { عَلَىٰ سُرُرٍ مَّوْضُونَةٍ } * { مُّتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ } * { يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ } * { بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ } * { لاَّ يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلاَ يُنزِفُونَ } * { وَفَاكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ } * { وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ } * { وَحُورٌ عِينٌ } * { كَأَمْثَالِ ٱللُّؤْلُؤِ ٱلْمَكْنُونِ } * { جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلاَ تَأْثِيماً } * { إِلاَّ قِيلاً سَلاَماً سَلاَماً }

قوله تعالى: { ثُلَّة من الأوَّلين } الثُلَّة: الجماعة غير محصورة العدد.

وفي الأوَّلين والآخِرين هاهنا ثلاثة أقوال.

أحدها: أن الأوَّلين: الذين كانوا من زمن آدم إلى زمن نبيِّنا صلى الله عليه وسلم، والآخِرون: هذه الأمة.

والثاني: [أن الأولين]: أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والآخرين: التابعون.

والثالث: أن الأولين [والآخِرين: من] أصحاب نبيِّنا محمد صلى الله عليه وسلم.

فعلى الأول يكون المعنى: إن الأولين السابقين جماعة من الأُمم المتقدِّمة الذين سبقوا بالتصديق لأنبيائهم مَنْ جاء بعدهم مؤمناً، وقليلٌ من أُمَّة محمد صلى الله عليه وسلم، لأن الذين عاينوا الأنبياء أجمعين وصدَّقوا بهم أكثر ممّن عاين نبيِّنا وصدَّق به. وعلى الثاني: أن السابقين: جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم الأوَّلون من المهاجرين والأنصار، وقليل من التابعين وهم الذين اتَّبعوهم باحسان.

وعلى الثالث: أن السابقين: الأوَّلون من المهاجرين والأنصار، وقليل ممَّن جاء بعدهم لعجز المتأخِّرين أن يلحقوا الأوَّلين، فقليل منهم من يقاربهم في السَّبق.

وأمّا «الموضونة»، فقال ابن قتيبة: هي المنسوجة، كأن بعضها أُدخِلَ في بعض، أو نُضِّد بعضُها على بعض، ومنه قيل للدِّرع: مَوْضونة، ومنه قيل: وَضِينُ النّاقة، وهو بِطان ٌمن سُيور يُدْخَل بعضُه في بعض. قال الفراء: سمعت بعض العرب يقول: الآجُرُّ موضونٌ بعضُه على بعض، اي: مُشْرَج.

وللمفسرين في معنى «مَوْضُونةٍ» قولان.

أحدهما: مرمولة بالذهب، رواه مجاهد عن ابن عباس. وقال عكرمة: مشبَّكة بالدُّرِّ والياقوت، وهذا مَعنى ما ذكرناه عن ابن قتيبة، وبه قال الأكثرون.

والثاني: مصفوفة، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس.

وما بعد هذا قد تقدم بيانه [الكهف: 30] إلى قوله: { وِلْدانٌ مخلَّدونَ } الوِلْدان: الغِلْمان. وقال الحسن البصري: هؤلاء أطفال لم يكن لهم حسنات فيُجْزَون بها، ولا سيِّئات فيعاقبون عليها، فوضُعوا بهذا الموضع.

وفي المخلَّدين قولان.

أحدهما: أنه من الخُلد؛ والمعنى: أنهم مخلوقون للبقاء لا يتغيَّرون، وهم على سنٍّ واحد. قال الفراء: والعرب تقول للإنسان إِذا كَبِر ولم يَشْمَط: أو لم تذهب أسنانه عن الكِبَر: إنه لمخلَّد، هذا قول الجمهور.

والثاني: أنهم المُقَرَّطُون، ويقال: المُسَوَّرون، ذكره الفراء، وابن قتيبة، وانشدوا في ذلك:
ومُخْلَّداتٌ باللُّجَيْنِ كأنَّما   أعجازُهُنَّ أَقاوِزُ الكُثْبانِ
قوله تعالى: { بأكوابٍ وأباريقَ } الكوب: إناء لا عروة له ولا خُرطوم، وقد ذكرناه في [الزخرف: 72]؛ والأباريق: آنية لها عُرىً وخراطيم؛ وقرأت على شيخنا أبي منصور اللغوي قال: الإبريق: فارسيّ معرَّب، وترجمتُه من الفارسية أحدُ شيئين، إمّا أن يكون: طريقَ الماء، أو: صبَّ الماءِ على هينة، وقد تكلمتْ به العربُ قديماً، قال عديُّ بن زيد:
ودَعَا بالصَّبُوحِ يوماً فجاءتْ   قَيْنَةٌ في يمينها إبريقُ
وباقي الآيات في [الصافات: 46].

السابقالتالي
2