الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَىٰ مِن ثُلُثَيِ ٱلَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَآئِفَةٌ مِّنَ ٱلَّذِينَ مَعَكَ وَٱللَّهُ يُقَدِّرُ ٱلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَٱقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنَ ٱلْقُرْآنِ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُمْ مَّرْضَىٰ وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي ٱلأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَٱقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَٰوةَ وَأَقْرِضُواْ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُمْ مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ ٱللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَٱسْتَغْفِرُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

{ إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَىٰ مِن ثُلُثَيِ ٱلَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ } أي: تتهجد فيه هذه التارات المختلفة، وتتشمر للعبادة فيه هذا التشمر امتثالاً لأمره، وتبتلاً إليه، { وَطَآئِفَةٌ مِّنَ ٱلَّذِينَ مَعَكَ } أي: يعلمهم كذلك، { وَٱللَّهُ يُقَدِّرُ ٱلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ } أي: أن يجعلهما على مقادير يجريان عليها، فتارة يعتدلان، وتارة يزيد أحدهما في الآخر، وبالعكس مما يشق لأجله المواظبة على قيامه بما علمه منكم - أشار إليه ابن كثير. أو المعنى: يقدر فيهما ما شاء من الأوامر. ومنه تقديره في قيام الليل ما قدره، مما أمر به أول السورة من التخيير، ترخيصاً وتيسيراً. { عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ } أي: قيام الليل، على النحو الذي دأبتم عليه، أو قيام الليل كله، للحرج والعسر { فَتَابَ عَلَيْكُمْ } أي: عاد عليكم باليسر ورفع الحرج. { فَٱقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنَ ٱلْقُرْآنِ } أي: في صلاة الليل بلا تقدير. أو المراد: لا تتجاوزوا ما قدره لكم، رحمة بأنفسكم. وفيه رد من غلوهم في قيام الليل كله، أو الحرص عليه شوقاً إلى العبادة، وسبقاً إلى الكمالات.

قال مقاتل: كان الرجل يصلي الليل كله، مخافة ألا يصيب مما أمر به من قيام ما فرض عليه - نقله الرازي.

{ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُمْ مَّرْضَىٰ } أي: يضعفهم المرض عن قيام الليل { وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي ٱلأَرْضِ } أي: للتجارة وغيرها، فيقعدهم ذلك عن قيام الليل { وَآخَرُونَ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } أي: لنصرة الدين، فلا يتفرغون للقيام فيه { فَٱقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ } أي: من القرآن. ولا تحرّجوا أنفسكم، لأنه تعالى يريد بكم اليسر ولا يريد بكم العسر.

تنبيهات

الأول: ذهب كثير من السلف إلى وجوب قيام الليل المفهوم من الأمر به طليعة السورة، منسوخ بهذه الآيات.

روى ابن جرير عن عائشة قالت: " كنت أجعل لرسول الله صلى الله عليه وسلم حصيراً يصلي عليه من الليل، فتسامع به الناس فاجتمعوا، فخرج كالمغضب - وكان بهم رحيما - فخشي أن يكتب عليهم قيام الليل، فقال: يا أيها الناس؟ اكلفوا من الأعمال ما تطيقون، فإن الله لا يمل من الثواب، حتى تملوا من العمل، وخير الأعمال ما دمتم عليه " ونزل القرآن.يٰأَيُّهَا ٱلْمُزَّمِّلُ * قُمِ ٱلَّيلَ إِلاَّ قَلِيلاً... } [المزمل: 1 - 2] الآية، حتى كان الرجل يربط الحبل ويتعلق، فمكثوا بذلك ثمانية أشهر، فرأى الله ما يبتغون من رضوانه فرحمهم، فردهم إلى الفريضة، وترك قيام الليل.

قال ابن كثير: والحديث في الصحيح بدون زيادة نزول هذه السورة. وهذا السياق قد يوهم أن نزول هذه السورة بالمدينة، وليس كذلك، وإنما هي مكية. انتهى كلامه.

أقول: وبمثل هذه الرواية يستدل على أن مراد السلف بقولهم: (ونزلت الآية) الاستشهاد بها في قضية تنطبق عليها - كما بيناه مراراً.

السابقالتالي
2 3