الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَىٰ مِن ثُلُثَيِ ٱلَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَآئِفَةٌ مِّنَ ٱلَّذِينَ مَعَكَ وَٱللَّهُ يُقَدِّرُ ٱلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَٱقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنَ ٱلْقُرْآنِ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُمْ مَّرْضَىٰ وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي ٱلأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَٱقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَٰوةَ وَأَقْرِضُواْ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُمْ مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ ٱللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَٱسْتَغْفِرُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

قوله تعالى: { إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَىٰ } أي: أقل { مِن ثُلُثَيِ ٱلَّيْلِ } وقرأ هشام: " ثُلْثَي " بسكون اللام، وهما لغتان.

قرأ ابن كثير وأهل الكوفة: " ونِصْفَهُ وثُلُثَه " بالنصب فيهما، على معنى: وتقوم النصف والثلث.

وقرأ الباقون من العشرة: بالجر فيهما، عطفاً على " ثُلُثَي الليل " ، أي: وأدنى من نصفه، وأدنى من ثلثه.

قال مكي: النصب أقوى؛ لأن الفرض كان على النبي صلى الله عليه وسلم قيام ثُلُث الليل، فإذا نصبت [ " ثلثه " ] أخبرت أنه كان يقوم ما فرض الله عليه وأكثر، وإذا [خفضت] " ثلثه " أخبرت أنه كان يقوم أقلّ من الفرض.

{ وَطَآئِفَةٌ مِّنَ ٱلَّذِينَ مَعَكَ } وهم المؤمنون المخلصون، { وَٱللَّهُ يُقَدِّرُ ٱلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ } يعلم مقادير ساعاتهما، لا يعلمها على الحقيقة سواه، { عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ } قال مقاتل: علم أن لن تطيقوا قيام ثلثي الليل ولا ثلث الليل ولا نصف [الليل].

وقال الفراء: علم أن لن تحفظوا مواقيت الليل.

وقال غيره: الضمير في " تحصوه " لمصدر " يقدر ".

{ فَتَابَ عَلَيْكُمْ } عاد عليكم بالرحمة والتخفيف { فَٱقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنَ ٱلْقُرْآنِ } أي: فَصَلُّوا ما تيسّر عليكم.

وعبّر عن الصلاة بالقراءة؛ لاشتمالها عليها، كما عبّر عنها بالركوع والسجود.

قال الماوردي: يحتمل وجهين:

أحدهما: ما يتطوع به من نوافله.

الثاني: أنه محمول على [فروض] الصلوات الخمس؛ لانتقال الناس من قيام الليل إليها. ويكون قوله: " ما تيسر " محمولاً على صفة الأداء في القوة والضعف، والصحة والمرض.

وذهب كثير من المفسرين إلى أن المعنى: فاقرؤوا في الصلاة ما تيسير من القرآن.

ويروى أن ابن عباس أمّ الناس بالبصرة، فقرأ في أول ركعة بالحمد وأول آية من البقرة، ثم قام في الثانية فقرأ بالحمد والآية الثانية من البقرة، فلما قضى صلاته قال: إن الله عز وجل يقول: { فَٱقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ }. قال علي بن عمر الحافظ: هذا حجة لمن يقول: فاقرؤوا ما تيسر منه [فيما] بعد الفاتحة.

قال بعضهم: هو أمرٌ بقراءة القرآن.

ثم اختلفوا: هل هذا الأمر على وجه الإيجاب أم الاستحباب؟

والحق أن يقال: يجب على المسلم أن يتعلم من القرآن ما يتوقّف صحة الصلاة عليه.

قال الماوردي: وفي قدر ما تضمّنه هذا الأمر من القراءة خمسة أقوال:

أحدها: جميع القرآن؛ لأن الله تعالى قد يسّره على عباده. وهو قول الضحاك.

والثاني: ثلث القرآن. حكاه جويبر.

والثالث: مائتا آية. قاله السدي.

والرابع: مائة [آية]. قاله ابن عباس.

والخامس: ثلاث آيات كأقصر سورة. قاله أبو خالد الكناني.

ثم نبّه على حكمة التخفيف بما ذكر من أعذار الناس فقال: { عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُمْ مَّرْضَىٰ } المعنى: فلا تُطيقوا قيام الليل { وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي ٱلأَرْضِ } أي: يسافرون { يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ } أي: يطلبون الرزق بالتجارة فلا يستطيعون قيام الليل؛ إما لمشقة السفر، وإما لكثرة السهر، { وَآخَرُونَ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ }.

السابقالتالي
2