{ بِأَكْوَابٍ } يعني: يطوفون عليهم بكؤوس، وهي التي لا عرى لها { وَأَبَارِيقَ } وهي التي لها عرى مملوء من الماء القراح، المثمر للعلوم اللدنية لشاربيها { وَكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ } [الواقعة: 18] أي: من رحيق التحقيق واليقين الذي { لاَّ يُصَدَّعُونَ عَنْهَا } ولا يشوشون في تحصيلها كالعلوم المكتسبة { وَلاَ يُنزِفُونَ } [الواقعة: 19] ولا يسكرون منها، إلى حيث ينقطع تلذذهم بها من غاية سكرهم. { وَفَاكِهَةٍ } كثيرة { مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ } [الواقعة: 20] أي: يختارون وينتخبون لأنفسهم من أنواع المعارف والحقائق والأحوال والمقامات التي تتلذذها أرواحهم من آثار الأسماء والصفات الإلهية. { وَلَحْمِ طَيْرٍ } يتقوت به أشباحهم { مِّمَّا يَشْتَهُونَ } الواقعة: 21]. { وَ } لهم أيضاً للخدمة والمؤانسة { حُورٌ عِينٌ } [الواقعة: 22] مصورة من اعتقاداتهم الصحيحة الراسخة. { كَأَمْثَالِ ٱللُّؤْلُؤِ ٱلْمَكْنُونِ } [الواقعة: 23] المصون في أصداف أشباحهم. وإنما يعطون فيها ما يعطون { جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [الواقعة: 24] من العمال الصالحة والأخلاق المرضية. ومن كمال تنعمهم فيها وأمنهم وترفههم { لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً } باطلاً من الكلام بلا طائل { وَلاَ تَأْثِيماً } [الواقعة: 25] على سبيل الإلزام والإفحام. { إِلاَّ قِيلاً } وقولاً من كل جانب { سَلاَماً سَلاَماً } [الواقعة: 26] على وجه الترحيب والإكرام، هذا للمقربين السابقين. { وَ } أمّا { أَصْحَابُ ٱلْيَمِينِ مَآ أَصْحَابُ ٱلْيَمِينِ } [الواقعة: 27] أي أصحاب اليمن والكرامة وأنواع التعظيم والتكريم. فهم أيضاً متنعمون { فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ } [الواقعة: 28] أي: نبق لا شوك له؛ لخلوص أعمالهم وحسناتهم عن شوك المنّ والأذى، والسمعة والرياء. { وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ } [الواقعة: 29] أي: شجر موز منضد موفور الثمر، مرتب من أسفله إلى أعلاه لإيفائهم وتوفيرهم في كسب الحسنات وفعل الخيرات. { وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ } [الواقعة: 30] إلهي لا يتقلص ولا يتفاوت؛ لدوامهم على مواظبة الطاعات، وملازمة العبادات. { وَمَآءٍ مَّسْكُوبٍ } [الواقعة: 31] مصبوب لهم أين شاءوا، وكيف شاءوا، بلا تعب وترقب؛ لأنهم صاروا في إتيان الأعمال كذلك؛ طلبا لمرضاته. { وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ } [الواقعة: 32] مما يتفكه بها أرواحهم وأشباحهم { لاَّ مَقْطُوعَةٍ } منتهية كفواكه الدنيا. { وَلاَ مَمْنُوعَةٍ } [الواقعة: 33] لتساوي نسبتها إلى الكل بلا تفاوت وتمانع؛ لإتيانهم بصوالح الأعمال والأخلاق على الدوام، بلا قطع ومنع. { وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ } [الواقعة: 34] ممهدة منضدة بعضها فوق بع ض؛ لرسوخهم وتمكنهم على الأحكام الإلهية المرتفعة بحسب الحكم والأسرار المودعة فيها. ثم قال سبحانه على سبيل الامتنان: { إِنَّآ } من مقام عظم جودنا إياهم { أَنشَأْنَاهُنَّ } أي: أنشأنا لهم أزواجهم اللاتي كن في حجورهم في النشأة الأولى من صالحات النسوان والأعمال والأخلاق { إِنشَآءً } [الواقعة: 35] بديعاً عجيباً. { فَجَعَلْنَاهُنَّ } فيها { أَبْكَاراً } [الواقعة: 36] بحيث لم يمسهن بشر، ولم يتصف بهن أحد. { عُرُباً } متحننات لأزواجهن { أَتْرَاباً } [الواقعة: 37] مسويات السن مع أزواجهن في كمال سن الشباب. كل ذلك { لأَصْحَابِ ٱلْيَمِينِ } [الواقعة: 38] من الأبرار المحسنين بالأعمال والأخلاق، المخلصين فيها.