الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى ٱلطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَـٰفَّـٰتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ ٱلرَّحْمَـٰنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ } * { أَمَّنْ هَـٰذَا ٱلَّذِي هُوَ جُندٌ لَّكُمْ يَنصُرُكُمْ مِّن دُونِ ٱلرَّحْمَـٰنِ إِنِ ٱلْكَافِرُونَ إِلاَّ فِي غُرُورٍ } * { أَمَّنْ هَـٰذَا ٱلَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَل لَّجُّواْ فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ } * { أَفَمَن يَمْشِي مُكِبّاً عَلَىٰ وَجْهِهِ أَهْدَىٰ أَمَّن يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } * { قُلْ هُوَ ٱلَّذِيۤ أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلسَّمْعَ وَٱلأَبْصَارَ وَٱلأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ } * { قُلْ هُوَ ٱلَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ }

يقول الحق جلّ جلاله: { أَوَلَمْ يَرَوُا } أي: أَغَفلُوا ولم ينظروا { إِلى الطيرِ } جمع طائر { فوقهم } في الهواء { صافاتٍ } باسطاتٍ أجنحتها في الجو عند طيرانها { ويقبِضْنَ } ويضممنها إذا ضربن بها حيناً فحيناً، للاستظهار به على التحرُّك، وهو السر في إيثار ويقبضن الدال على تجدُّد القبض تارة بعد تارة على " قابضات " ، فـ " يقبضن ": معطوف على اسم الفاعل حملاً على المعنى، أي: يصففن ويقبضن، أو: صافات وقابضات. والطيران في الهواء كالسباحة في الماء، والهواء للطائر كالماء للسابح، والأصل في السباحة: مدّ الأطراف وبسطها، وأمّا القبض فطارىء على البسط للاستظهار به على التحرُّك. { ما يُمسِكُهُنَّ } في الجو عند البسط والقبض على خلاف مقتضى الطبع { إلاَّ الرحمنُ } الواسع رحمته كل شيء، ومن جملتها: إمساكه الطير في الهواء بقدرته، وإلا فالثقيل يسفل طبعاً ولا يطفو، وكذلك لو أمسك حِفظَه وتدبيره للعالم لتهافت وتلاشى. { إِنه بكل شيءٍ بصيرٌ } يعلم كيفية إبداع المبدعات، وتدبير المصنوعات، ومن مبدعاته: أنَّ الطير على أشكال وخصائص هيّأهن للجري في الهواء. { أمَّنْ هذا الذي هو جندٌ لكم ينصركم من دون الرحمن } ، هو تبكيت لهم ينفي أن يكون لهم ناصر من عذابه غير الله، أي: لا ناصر لكم إلاّ الرحمن برحمته. " أم " منقطعة مقدرة ببل للانتقال من توبيخهم على ترك التأمُّل فيما يشاهدونه من أحوال الطير المنبئة عن تعاجيب قدرة الله تعالى إلى التبكيت بما ذكر من نفي نصرة غيره تعالى، والالتفات للتشديد في ذلك، ومن: مبتدأ وهذا: خبره، والذي وما بعده: صفتهن وإيثار " هذا " تحقيراً له، وينصركم: صفة لجُند، باعتبار لفظه، ومن دون: إما حال من فاعل " ينصركم " أو لمصدر محذوف، أي: نصراً حاصلاً من دون الرحمن، أو: متعلق بينصركم، كقوله:مَن يَنصُرُنِى مِنَ ٱللهِ } [هود:30]، والمعنى: بل مَن هذا الحقير الذي هو في زعمكم جند لكم ينصركم نصراً كائناً من دون نصرة الرحمن؟! { إِنِ الكافرون إلاّ في غرورٍ } أي: ما هم في زعمهم أنهم محفوظون من النوائب بحفظ آلهتهم، لا بحفظه تعالى فقط، إلاّ في غرور عظيم، وضلال فاحش من الشيطان. والالتفات إلى الغيبة للإيذان بافتضاح حالهم، والإعراض عنهم، وإظهار قبائحهم، والإظهار في موضع الإضمار لذمّهم بالكفر وتعليل غرورهم به. { أمّنْ هذا الذي يرزقكم إِنْ أمسك } اللهُ عزّ وجل { رزقَه } بإمساك المطر وسائر مبادئه، أي: مَن هذا الحقير الذي يقدر على إتيان رزقكم من آلهتكم إن أمسكه الله؟ { بل لَجُّوا في عَتُوٍّ ونفورٍ } ، إضراب عن مُقدّر يستدعيه المقام، كأنه قيل بعد تمام التبكيت والتعجيز: لم يتأثروا بشيء من ذلك، ولم يذعنوا للحق، { بل لجُّوا } أي: تمادوا { في عتوٍّ } أي: استكبار وطغيان { ونفورٍ } وشُرود عن الحق لِثقله عليهم.

السابقالتالي
2