الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير صدر المتألهين/ صدر المتألهين الشيرازي (ت 1059 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱعْلَمُوۤاْ أَنَّمَا ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي ٱلأَمْوَٰلِ وَٱلأَوْلَٰدِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ ٱلْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَٰهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَٰماً وَفِي ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَٰنٌ وَمَا ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَآ إِلاَّ مَتَٰعُ ٱلْغُرُورِ }

زهّد الله سبحانه الناس عن الركون إلى الحياة الدنيا، ورهّبهم عن التورط في مشتهياتها بأبلغ وجه وآكده، حيث بيّن ان محقّرات مشتهياتها ومختصرات لذاتها ليست في الواقع وعند أولياء الله الذين نظرهم على حقائق الأمور وبواطنها، إلاَّ أمورا وهمية باطلة زائلة، وهي اللهو واللعب والزينة والتفاخر والتكاثر، إلاَّ أنها كذلك من باب التجوّز والتشبيه لعلاقة الاشتراك بينهما في عدم البقاء - كما وقع في بعض التفاسير -، فإن ذلك بحسب النظر الجليل وإدراك أهل الحجاب. ولا انها كذلك بحسب المبالغة والتخييل كما هو عادة الشعراء وأهل القصص - أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين -، بل هي بحسب التحقيق ليست إلاَّ هذه المذكورات وليست إلاَّ متاع الغرور، كما مثّل الله تعالى:كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ ٱلظَّمْآنُ مَآءً حَتَّىٰ إِذَا جَآءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً } [النور:39]. وكما أن أمور الدنيا ليست إلاَّ أوهام محضة وخيالات صرفة، فأمور الآخرة بعكس ذلك، إذ ليست إلاَّ أموراً عظيمة ثابتة إلهيّة. لأنها بواطن الأشياء وحقائقها التي لا تبيد ولا تنقص.

وقيل: " اللعب " ما رغّب في الدنيا، و " اللهو " ما الهى عن الآخرة، و " الزينة " ما يتنزينون به في الدنيا ويتحلّون في أعين أهلها ثم يتلاشى.

ومنشأ التفاخر بين الناس، هو القوة الغضبيّة والهيئة السَّبُعِيَّة التي لا تزال توجب التفوق على الأقران، والترفع على الأشباه، ومنشأ التكاثر هو القوة الشهويّة والصفة البهيميّة التي لا تزال تطلب تزايد المشتهيات.

ثم إنه تعالى مثّل حال الدنيا وسرعة انقضائها وفنائها مع قلّة جدواها بنبات أنبته المطر فاستوى واستكمل وأعجب الكفّار نباته - دون غيرهم -، لأنهم هم المُغْتَرّون بالأمور الباطلة الواهية، بسبب ما يخيل ويروق لهم من ظواهر زينتها بما ينكرون الآخرة ولا يعرفونها، فهم بها أعلق، وهي لهم أروق وألمع، لا لأهل الله والمؤمنين حقاً.

وليس المراد منه المبالغة في وصف النبات وبيان حسنه بأنه يعجب الكفّار، مع جحودهم لنعمة الله فيما رزقهم - كما قيل -، بل إعجاب الكافر بيان للواقع في الحكاية التي مثّل بها الحياة الدنيا. ويجوز أن يكون إشارة إلى القصة المذكورة في القرآن لصاحب الجنّة والجنتين.

وقيل: الكفّار: الزرّاع، ثم بعث عليه الآفة فهاج، أي يبس واصفرّ وصار حطاماً، أي: ما ينحطم وينكسر بعد يبسه عقوبة لهم على جحودهم وكفرانهم، وفي الآخرة عذاب شديد، أي: لمن رغب في الدنيا فيشغله ذلك عن الآخرة - ومغفرة من الله ورضوان، أي: لمن تزوّد منها للآخرة.

وما الحياة الدنيا، لمن ركن إليها وتَطَمْئَن بها، - إلاّ متاع الغرور - كلامع السراب للظمآن حيث يتخيّل له لغاية ظمئه ان له حقيقة.

السابقالتالي
2 3 4 5