الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ فَوَسْوَسَ لَهُمَا ٱلشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ ٱلْخَالِدِينَ }

{ فوَسْوس لَهما الشَّيطانُ } الوسوسة من الشيطان إلقاء كلام فى قلب الإنسان أو الجن، وأصل الوسوسة التكلم بخلاف خفى متشابه الصوت، كأنه تكرير، ومنه وسوس الحلى، ويحتمل أن يكون تكلم لهما خفية سمعاه، قيل كانا يخرجان خارج الجنة، فتمكن إبليس منهما وهو الشيطان فى الآية، وقيل يقربان من الباب، وقيل دخل فى فم الحية مرة إلى الجنة، وقيل كان يدخل فى فمها إليها وضعف بعضهم القولين. وقال الحسن وسوس لهما من الأرض فى قلبيهما بالقوة التى جعلها الله فيه، وهو قول ضعيف، يرده لفظ القرآن، وقال أبو سلمة الأصبهانى بل كان آدم وإبليس فى الجنة، لأن هذه الجنة كانت بعض جنات الأرض، وهو قول لا يكفى فى الجواب، لأن الفرض أنه أخرج منها، والكلام فى كيفية وسوسته لهما، وقد فارقهما، ومعنى وسوس لهما فعل الوسوسة لأجلهما، ويجوز أن يكون اللام بمعنى إلى أى ألقاها إليهما فهما موسوس إليهما بفتح الواوات، ولا يقال موسوسان، كما يقال زيد موسوس إليه، أو موسوس له، ولا يقال موسوس اللهم إلا على سبيل الحذف والإيصال. { ليُبْدىَ } ليظهر { لَهما ما ووُرِىَ } ستر { عنْهُما من سَوْآتهما } عوراتهما، وكانا لا يريانها من أنفسهما ولا أحدهما من الآخر، سميت العورة سوأة لأن ظهورها يسوء الإنسان، وفى ذلك دليل على أن كشف العورة ولو للنفس أو فى الخلوة أو للزوج من غير حاجة قبيح مستهجن فى الطباع، وهو منكر للغير، والظاهر أن اللام للصيرورة لا للتعليل، لأنه - لعنه الله - لا يدرى أن عورتهما تنكشف بسبب وسوسته لهما وقبولهما لهما، فيقصد الانكشاف، ويحتمل أن يكون قد علم بأنها تنكشف بقبول وسوسته، أن ظن ذلك فتكون اللام للتعليل، بأن قصد وسوستهما لتكشف عورتهما فيسوءهما ذلك، ولذا عبر بالسوأة، هذا تحرير المقام. وذكر بعضهم أنه يمكن أن تكون للتعليل بحسب قصد إبليس إلى حط مرتبتهما وإلقاءهما فى عقوبة غير مخصوصة، وأقول لا تكون للتعليل بقصده عقوبة غير مخصوصة، إلا إن أراد عقوبات عامة، فقد يصح التعليل، ووزن وورى فوعل بضم الفاء وكسر العين، وهو مفاعلة ليست على بابها إلا أن يعتبر، إنما وارى شيئا قد واراه الشىء ما خلفه مثلا، وزعم قوم أن هذا من وراء بفتح الواو وهو خلف، وهو قول ضعيف من حيث التصريف. والمعنى فإن السوأة تشمل القبل والدبر، ولم تقلب الواو همزة مع أنها مضمومة فى الأول بعدها واو، وقد كان ذلك جائزا كما يقال فى تصغير واصل أو يصل بقلبها همزة، وقلب ألف واصل واو، لأن الثانية فى الآية مدة، فقد قرأ ابن مسعود بقلبها همزة، وقرأه الحسن ومجاهد من سوتهما بالإفراد، وقلب الهمزة واواً، وإدغام واو فى واو، وحكى سيبويه أن هذا القلب والإدغام لغة، وكذا قرأ أبو جعفر بن القعقاع، وشيبة بن نصاح، والزهرى لكن بالجمع، وقرىء سوآتهما بنقل فتح الهمزة إلى الواو وحذف الهمزة.

السابقالتالي
2